( باب تحريم استعمال أوانى الذهب والفضة فى الشرب وغيره على الرجال والنساء
 
[ 2065 ] )
قوله صلى الله عليه و سلم ( الذى يشرب فى آنية الفضة انما يجرجر فى بطنه نار جهنم ) وفى رواية ان الذى يأكل أو يشرب فى آنية الفضة والذهب وفى رواية من شرب فى إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر فى بطنه نارا من جهنم اتفق العلماء من أهل الحديث واللغة والغريب وغيرهم على كسر الجيم الثانية من يجر جر واختلفوا فى راء النار فى الرواية الأولى فنقلوا فيها النصب والرفع وهما مشهوران فى الرواية وفى كتب الشارحين وأهل الغريب واللغة والنصب هو الصحيح
(14/27)

المشهور الذى جزم به الأزهرى وآخرون من المحققين ورجحه الزجاج والخطابى والأكثرون ويؤيده الرواية الثالثة يجرجر فى بطنه نارا من جهنم ورويناه فى مسند أبى عوانة الاسفرابنى وفى الجعديات من رواية عائشة رضى الله عنها إنما يجرجر فى جوفه نارا كذا هو فى الأصول نارمن غير ذكر جهنم وأما معناه فعلى رواية النصب الفاعل هو الشارب مضمر فى يجرجر أى يلقيها فى بطنه يجرع متتابع يسمع له جرجرة وهو الصوت لتردده فى حلقه وعلى رواية الرفع تكون النار فاعله ومعناه تصوت النار فى بطنه والجرجرة هي التصويت وسمى المشروب نارا لأنه يؤول اليها كما قال تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون فى بطونهم نارا وأما جهنم عافانا الله منها ومن كل بلاء فقال الواحدى قال يونس وأكثر النحويين هي عجمية لاتنصرف للتعريف والعجمية وسميت بذلك لبعد قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت عميقة القعر وقال بعض اللغويين مشقة من الجهومة وهى الغلظ سميت بذلك لغلظ أمرها فى العذاب والله أعلم قال القاضي واختلفوا فى المراد بالحديث فقيل هو إخبار عن الكفار من ملوك العجم وغيرهم الذين عادتهم فعل ذلك كما قال فى الحديث الآخر هي لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة أى هم المستعملون لها فى الدنيا وكما قال صلى الله عليه و سلم فى ثوب الحرير انما يلبس هذا من لاخلاق له فى الآخرة أى لانصيب قال وقيل المراد نهى المسلمين عن ذلك وأن
(14/28)

من ارتكب هذا النهى استوجب هذا الوعيد وقد يعفو الله عنه هذا كلام القاضي والصواب أن النهى يتناول جميع من يستعمل إناء الذهب أو الفضة من المسلمين والكفار لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بغروع الشرع والله أعلم وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب فى إناء الذهب وإناء الفضة على الرجل وعلى المرأة ولم يخالف فى ذلك أحد من العلماء إلا ما حكاه أصحابنا العراقيون أن للشافعى قولاقديما أنه يكره ولايحرم وحكوا عن داود الظاهرى تحريم الشرب وجواز الأكل وسائر وجوه الاستعمال وهذان النقلان باطلان أما قول داود فباطل لمنابذة صريح هذه الأحاديث فى النهى عن الأكل والشرب جميعا ولمخالفة الاجماع قبله قال أصحابنا انعقد الاجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حكى عن داود وقول الشافعى فى القديم فهما مردودان بالنصوص والاجماع وهذا انما يحتاج إليه على قول من يعتد بقول داود فى الاجماع والخلاف والافالمحققون يقولون لايعتد به لاخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذى يعتد به وأما قول الشافعى القديم فقال صاحب التقريب أن سياق كلام الشافعى فى القديم يدل على أنه أراد أن نفس الذهب والفضة الذى اتخذ منه الاناء ليست حراما ولهذا لم يحرم الحلى على المرأة هذاكلام صاحب التقريب وهو من متقدمى أصحابنا وهو أتقنهم لنقل نصوص الشافعى ولأن الشافعى رجع عن هذا القديم والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصولين أن المجتهد اذا قال قولا ثم رجع عنه لايبقي قولا له ولاينسب إليه قالوا وانما يذكر القديم وينسب إلى الشافعى مجازا وباسم ما كان عليه لا أنه قول له الآن فحصل مما ذكرناه أن الاجماع منعقد على تحريم استعمال اناء الذهب واناء الفضة فى الأكل والشرب والطهارة والأكل بمعلقة من أحدهما والتجمر بمجمرة منهما والبول غي الإناء منهما وجميع وجوه الاستعمال ومنها المكحلة واميل وطرف العالية وغير ذلك سواء الاناء الصغير والكبير ويستوى فى التحريم الرجل
(14/29)

والمرأة بلاخلاف وانما فرق بين الرجل والمرأة فى التحلى لما يقصد منها من التزين للزوج والسيد قال أصحابنا ويحرم استعمال ماء الورد والادهان من قارورة الذهب والفضة قالوا فإن ابتلى بطعام فى اناء ذهب أو فضة فيخرج الطعام إلى اناء آخر من غيرهما ويأكل منه فإن لم يكن اناء آخر فليجعله على رغيف ان أمكن وان ابتلى بالدهن فى القارورة فضة فليصبه فى يده اليسرى ثم يصبه من اليسرى فى اليمين ويستعمله قال أصحابنا ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأوانى الفضة والذهب هذا هو الصواب وجوزه بعض أصحابنا قالوا وهو غلط قال الشافعى والأصحاب لو توضأ أو اغتسل من اناء ذهب أو فضة عصى بالفعل وصح وضوءه وغسله هذامذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة والعلماء كافة الاداود فقال لايصح والصواب الصحة وكذا لو أكل منه أو شرب عصى بالفعل ولايكون المأكول والمشروب حراما هذا كله فى حال الاختبار وأما اذا اضطر إلى استعمال اناء فلم يجد الاذهبا أو فضة فله استعماله فى حال الضرورة بلاخلاف صرح به أصحابنا قالوا كما تباح الميتة فى حال الضرورة قال أصحابنا ولو باع هذا الاناءصح بيعه لأنه عين طاهرة يمكن الانتفاع بها بأن تسبك وأما اتخاذ هذه الاوانى من غيراستعمال فللشافعى والأصحاب فيه خلاف والأصح تحريمه والثانى كراهته فإن كرهناه استحق صانعه الأجرة ووجب على كاسره أرش النقص ولافلا وأما اناء الزجاج النفيس فلايحرم بالاجماع وأما اناء الياقوت والزمرد والفيروزج ونحوها فالأصح عند أصحابنا جواز استعمالها ومنهم من حرمها والله أعلم
(14/30)