( باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنةبالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لايدخلون بيتا فيه صورة أو كلب )
 
[ 2104 ] قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان فى ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو اناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الابل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فان كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحوذلك مما لايعد ممتهنا فهو حرام وان كان فى بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت فيه كلام نذكره قريبا إن شاء الله ولافرق فى هذا كله بين ماله ظل ومالاظل له هذا تلخيص مذهبنا فى المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
(14/81)

وهو مذهب الثورى ومالك وأبى حنيفة وغيرهم وقال بعض السلف انما ينهى عما كان له ظل ولابأس بالصور التى ليس لها ظل وهذا مذهب باطل فان الستر الذى أنكر النبى صلى الله عليه و سلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقى الأحاديث المطلقة فى كل صورة وقال الزهري النهى فى الصورة على العموم وكذلك استعمال ماهى فيه ودخول البيت الذى هي فيه سواء كانت رقما فى ثوب أو غيررقم وسواء كانت فى حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملا بظاهر الأحاديث لاسيما حديث النمرقة الذى ذكره مسلم وهذا مذهب قوى وقال آخرون يجوز منها ما كان رقما فى ثوب سواء امتهن أم لا وسواء علق فى حائط أم لاوكرهوا ما كان له ظل أو كان مصورا فى الحيطان وشبهها سواء كان رقما أو غيره واحتجوا بقوله فى بعض أحاديث الباب إلاما كان رقما في ثوب وهذا مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا بقوله فى بعض أحاديث الباب إلا ما كان رقما فى ثوب وهذا مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره قال القاضي إلا ماورد فى اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة فى ذلك لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث والله أعلم [ 2105 ] قوله ( أصبح يوما واجما ) هو بالجيم قال أهل اللغة هو الساكت الذى يظهر عليه الهم والكابة وقيل هو الحزين يقال وجم يجم وجوما قوله ( أصبح يوما واجما فقالت ميمونة يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان جبريل كان وعدنى ان يلقانى الليلة فلم يلقنى أم والله ما أخلفني ) وذكر الحديث فيه أنه يستحب
(14/82)

للانسان اذا رأى صاحبه ومن له حق واجما أن يسأله عن سببه فيساعده فيما يمكن مساعدته أو يتحزن معه أو يذكره بطريق يزول به ذلك العارض وفيه التنبيه على الوثوق بوعدالله ورسله لكن قد يكون للشيء شرط فيتوقف على حصوله أو يتخيل توقيته بوقت ويكون غير موقت به ونحوذلك وفيه أنه اذا تكدر وقت الانسان أو تنكدت وظيفته ونحوذلك فينبغى أن يفكر فى سببه كما فعل النبى صلى الله عليه و سلم هنا حتى استخرج الكلب وهو من نحو قول الله تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون قوله ( ثم وقع فى نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه ) أما الجرو فبكسر الجيم وضمها وفتحها ثلاث لغات مشهورات وهو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع والجمع أجر وجراء وجمع الجراء أجرية وأما الفسطاط ففيه ست لغات فسطاط وفستاط بالتاء وفساط بتشديد السين وضم الفاء فيهن وتكسر وهو نحو الخباء قال القاضي والمراد به هنا بعض حجال البيت بدليل قولها فى الحديث الآخر تحت سرير عائشة وأصل الفسطاط عمود الأخبية التى يقام عليها والله أعلم وأما قوله ثم أخذ بيده ماء فنضح به مكانه فقد احتج به جماعة فى نجاسة الكلب قالوا والمراد بالنضح الغسل وتأولته المالكية على أنه غسله لخوف حصول بوله أوروثه
(14/83)

قوله صلى الله عليه و سلم [ 2106 ] ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولاصورة ) قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها فى صورة ما يعبد من دون الله تعالى وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانا كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهى عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفى بيته ودفعها أذى للشيطان وأما هؤلاء الملائكة لذين لايدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفونبالرحمة والتبريك والاستغفار وأما الحفظة فيدخلون فى كل بيت ولايفارقون بنى آدم فى كل حال لأنهم مأمورون باحصاء أعمالهم وكتابتها قال الخطابى وانما لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التى تمتهن فى البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابى والأظهر أنه عام فى كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لاطلاق الأحاديث ولأن الجرو الذى كان فى بيت النبى صلى الله عليه و سلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فانه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه و سلم من دخول البيت وعلل بالجرو فلو كان العذر فى وجود الصورة والكلب لايمنعهم لم يمتنع جبريل والله أعلم قوله ( فأمر بقتل الكلاب حتى أنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير ) المراد بالحائط البستان وفرق بين
(14/84)

الحائطين لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه ولايتمكن الناظور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير والأمر بقتل الكلاب منسوخ وسبق ايضاحه فى كتاب البيوع حيث بسط مسلم أحاديثه هناك قوله ( إلارقما فى ثوب ) هذا يحتج به من يقول باباحة ماكان رقما مطلقا كما سبق وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره مما ليس
(14/85)

بحيوان وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا [ 2107 ] قوله ( عن عائشة رضى الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاته فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية فى وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال ان الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين قالت فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك على المراد بالنمط هنا بساط لطيف له خمل وقد سبق بيانه قريبا فى باب اتخاذ الأنماط وقولها ( هتكه ) هوبمعنى قطعه وأتلف الصورة التى فيه وقد صرحت فى الروايات المذكورات بعد هذه بأن هذا النمط كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة وأنه كان فيه صورة فيستدل به لتغيير المنكر باليد وهتك الصور المحرمة والغضب عند رؤية المنكر وأنه يجوز اتخاذ الوسائد والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم حين جذب النمط وأزاله ان الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين فاستدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهومنع كراهة تنزيه لاتحريم هذا هو الصحيح وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسى من أصحابنا هو حرام وليس فى هذا الحديث ما يقتضي تحريمه لأن حقيقة
(14/86)

اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك وهذا يقتضى أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم والله أعلم قوله ( عن عائشة رضى الله عنها قالت كانت لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل اذا دخل استقبله فقال لى رسول الله صلى الله عليه و سلم حولى هذا فانى كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا ) هذامحمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل ويراه ولاينكره قبل هذه المرة الأخيرة قولها ( سترت على بابى درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرنى فنزعته ) أما قولها سترت فهو بتشديد التاء الأولى وأما الدرنوك فبضم الدال وفتحها حكاهما القاضي وآخرون والمشهور ضمها والنون مضمومة لاغير ويقال فيه درموك بالميم وهو ستر له خمل وجمعه درانك قولها
(14/87)

( دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا متسترة بقرام ) هكذا هو فى معظم النسخ متسترة بتاءين مثناتين فوق بينهما سين وفي بعضها مستترة بسين ثم تاءين أى متخذة سترا وأما القرام فبكسر القاف الرقيق الستر وهو قولها ( وقد سترت سهوه لى بقرام ) السهوة بفتح السين المهملة قال الأصمعى هي شبيهة بالرف أوبالطاق يوضع عليه الشيء قال أبو عبيد وسمعت غير واحدمن أهل اليمن يقولون السهوة عندنا بيت صغير متحدر فى الأرض وسمكه مرتفع من الأرض يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع قال أبو عبيد وهذا عندى أشبه ما قيل فى السهوة وقال الخليل هي أربعة أعواد أو ثلاثة يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها
(14/88)

شيء من الأمتعةوقال بن الأعرابى هي الكوة بين الدارين وقيل بيت صغير يشبه المخدع وقيل
(14/89)

هي كالصفة تكون بين يدى البيت وقيل شبيه دخلة فى جانب البيت والله أعلم قوله ( اشتريت نمرقة ) هي بضم النون والراء ويقال بكسرهما ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات ويقال نمرق بلاهاء وهى وسادة صغيرة وقيل هي مرفقة قوله صلى الله عليه و سلم ( ان أصحاب هذه الصور يعذبون ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ) وفى الرواية السابقة أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله تعالى [ 2108 ] وفى رواية الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم [ 2110 ] وفى رواية بن عباس كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه فى جهنم وفىرواية من صور صورة فى الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ [ 2111 ] وفى رواية قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقى فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة أما قوله صلى الله عليه و سلم ( ويقال لهم أحيواما خلقتم ) فهو الذى يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى قل فأتوا بعشر سور مثله وأما قوله فى رواية بن عباس يجعل له فهو بفتح الياء من يجعل والفاعل هو الله تعالى أضمر للعلم به قال القاضي فى رواية بن عباس يحتمل أن معناها أن الصورة التى صورها هي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح وتكون الباء فى بكل بمعنى فى قال ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه وتكون الباء بمعنى لام السبب وهذه الأحاديث صريحة فى تحريم تصوير الحيوان وانه غليظ التحريم وأما
(14/90)

الشجر ونحوه ممالا روح فيه فلا تحرم صنعته ولاالتكسب به وسواء الشجر المثمر وغيره وهذا مذهب العلماء كافة الامجاهدا فانه جعل الشجر المثمر من المكروه قال القاضي لم يقله أحد غير مجاهد واحتج مجاهد بقوله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقى واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه و سلم ويقال لهم أحيوا ما خلقتم أى اجعلوه حيوانا ذا روح كما ضاهيتم وعليه رواية ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقى ويؤيده حديث بن عباس رضى الله عنه المذكور فى الكتاب ان كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لانفس له وأما رواية أشد عذابا فقيل هي محمولة على من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشد عذابا وقيل هي فيمن قصد المعنى الذى فى الحديث من مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره فأما من لم يقصد بها العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولايكفر كسائر المعاصى [ 2111 ] وأما قوله تعالى فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة فالذرة بفتح الذال وتشديد الراء ومعناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التى هي خلق الله تعالى وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير أى ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد فى حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذى يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيز كما سبق والله أعلم
(14/91)

وهو اسم للصوت فأصل الجرس بالاسكان الصوت الخفى أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس فى الاسفار وأن الملائكة لاتصحب رفقة فيها أحدهما والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لاالحفظة وقد سبق بيان هذا قريبا وسبق بيان الحكمة فى مجانبة الملائكة بيتا فيه كلب وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس أو لأنه من المعاليق المنهى عنها وقيل سببه كراهة صوتها وتؤيده رواية مزامير الشيطان وهذا الذى ذكرناه من كراهة الجرس على الاطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين وهى كراهة تنزيه وقال جماعة من متقدمي علماء الشام يكره الجرس الكبير دون الصغير