( باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله تعالى )
 
[ 2122 ] قوله ( جاءت امرأة فقالت يارسول الله ان لى ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله
(14/102)

فقال لعن الله الواصلة والمستوصلة ) وفى رواية فتمرق شعر رأسها وزوجها يستحسنها أفأصل شعرها يارسول الله فنهاها [ 2123 ] وفى رواية أنها مرضت فتمرط شعرها وفى رواية فاشتكت فتساقط شعرها وأن زوجها يريدها أما تمرق فبالراء المهملة وهو بمعنى تساقط وتمرط كما ذكر فى باقى الروايات ولم يذكر القاضي فى الشرح الاالراء المهملة كما ذكرنا وحكاه فى المشارق عن جمهور الرواة ثم حكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاى المعجمة قال وهذا وان كان قريبا من معنى الأول ولكنه لايستعمل فى الشعر فى حال المرض وأما قولها ( ان لى ابنة عريسا ) فبضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس والعروس يقع على المرأة والرجل عند الدخول بها وأما الحصبة فبفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين ويقال أيضا بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والاسكان أشهر وهى بثر تخرج فى الجلد يفول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب وأما الواصلة فهي التى تصل شعر المرأة بشعر آخر والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة وهذه الأحاديث صريحة فى تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقا وهذا هو الظاهر المختار وقد فصله أصحابنا فقالوا ان وصلت شعرها بشعر آدمى فهو حرام بلاخلاف سواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلاخلاف لعموم الأحاديث ولانه يحرم الانتفاع بشعر الآدمى وسائرأجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمى فان كان شعرانجسا وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل اذا انفصل فى حياته فهو حرام أيضا للحديث ولانه
(14/103)

حمل نجاسة فى صلاته وغيرها عمدا وسواء فى هذين النوعين المزوجةوغيرها من النساء والرجال وأما الشعر الطاهر من غير الآدمى فان لم يكن لها زوج ولاسيد فهو حرام أيضا وان كان فثلاثة أوجه أحدها لايجوز لظاهر الأحاديث والثانى لايحرم وأصحها عندهم ان فعلته باذن الزوج أو السيد جاز وإلا فهو حرام قالوا وأما تحمير الوجه والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فان لم يكن لها زوج ولا سيد أو كان وفعلته بغير اذنه فحرام وان أذن جاز على الصحيح هذا تلخيص كلام أصحابنا فى المسألة وقال القاضي عياض اختلف العلماء فى المسألة فقال مالك والطبرى وكثيرون أو الأكثرون الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق واحتجوا بحديث جابر الذى ذكره مسلم بعد هذا أن النبى صلى الله عليه و سلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا وقال الليث بن سعد النهى مختص بالوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرها وقال بعضهم يجوز جميع ذلك وهو مروى عن عائشة ولايصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور قال القاضي فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لايشبه الشعر
(14/104)

فليس بمنهى عنه لأنه ليس بوصل ولاهو في معنى مقصود الوصل وانما هو للتجمل والتحسين قال وفى الحديث أن وصل الشعر من المعاصى الكبائر للعن فاعله وفيه أن المعين على الحرام يشارك فاعله فى الاثم كما أن المعاون فى الطاعة يشارك فى ثوابها والله أعلم وأما قولها وزوجها يستحسنها فهكذا وقع فى جماعة من النسخ باسكان الحاء وبعدها سين مكسورة ثم نون من الاستحسان أى يستحسنها فلا يصبر عنها ويطلب تعجيلها إليه ووقع فى كثير منها يستحثنيها بكسر الحاء وبعدها ثاء مثلثة ثم نون ثم ياء مثناة تحت من الحث وهو سرعة الشيء وفى بعضها يستحثها بعد الحاء ثاء مثلثة فقط والله أعلم وفى هذا الحديث أن الوصل حرام سواء كان لمعذورة
(14/105)

أو عروس أوغيرهما [ 2124 ] [ 2125 ] قوله ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) أما الواشمة بالشين المعجمة ففاعلة الوشم وهى أن تغرز ابرة أو مسلة أو نحوهما فى ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش وقد تكثره وقد تقلله وفاعلة هذا واشمة وقد وشمت تشم وشما والمفعول بها موشومة فان طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له وقد يفعل بالبنت وهى طفلة فتأثم الفاعلة ولاتأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ قال أصحابنا هذا الموضع الذى وشم يصير نجسا فان أمكن ازالته بالعلاج وجبت ازالته وان لم يمكن الابالجرح فان خاف منه التلف أو فوات عضو أومنفعة عضو أو شيئا فاحشا فى عضو ظاهر لم تجب إزالته فاذا بان لم يبق عليه اثم وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه لزمه إزالته ويعصى بتأخيره وسواء فى هذا كله الرجل والمرأة والله أعلم وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التى تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التى تطلب فعل ذلك بها وهذا الفعل حرام الااذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلاتحرم إزالتها بل يستحب عندنا وقال بن جرير لايجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولاشاربها ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولانقص ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة وأن النهى إنما هو فى الحواجب وما فى أطراف الوجه ورواه بعضهم المنتمصة بتقديم النون والمشهور تأخيرها ويقال للمنقاش منماص بكسر الميم وأما المتفلجات بالفاء والجيم والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام وهى فرجة بين الثنايا والرباعيات وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها فى السن اظهارا للصغر وحسن الأسنان لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار فاذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد
(14/106)

لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة ويقال له أيضا الوشر ومنه لعن الواشرة والمستوشرة وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ولأنه تزوير ولأنه تدليس وأما قوله المتفلجات للحسن فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن وفيه اشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن أما لواحتاجت إليه لعلاج أو عيب فى السن ونحوه فلابأس والله أعلم قوله ( لوكان ذلك لم نجامعها ) قال جماهير العلماء معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهى بل كنا نطلقها ونفارقها قال القاضي ويحتمل ان معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ماسبق فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة
(14/107)

أوغيرهما ينبغى له أن يطلقها والله أعلم قوله ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير حدثنا الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبى صلى الله عليه و سلم ) هذا الاسناد مما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال الصحيح عن الأعمش ارساله قال ولم يسنده عنه غير جرير وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش عن ابراهيم مرسلا قال والمتن صحيح من رواية منصور عن ابراهيم يعنى كما ذكره فى الطرق السابقة وهذا الاسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم جرير والأعمش وابراهيموعلقمة وقد رأى جرير رجلامن الصحابة وسمع أبا الطفيل وهو صحابى والله أعلم [ 2127 ] قوله ( ان معاوية تناول وهو على المنبر قصة من شعر كانت فى يدى حرسى ) قال الأصمعى وغيره هي شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية والحرسى كالشرطى وهو غلام الأمير قوله ( وأخرج كبة من شعر ) هي بضم الكاف وتشديد الباء وهى شعر مكفوف بعضه على بعض قوله ( ياأهل المدينة أين علماؤكم ) هذا السؤال للانكار عليهم باهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره وفى حديث معاوية هذا اعتناء الخلفاء وسائر ولاة الأمور بانكار المنكر وإشاعة إزالته وتوبيخ من أهمل إنكاره ممن توجه ذلك عليه قوله صلى الله عليه و سلم ( إنما هلكت بنواسرائيل حين اتخد هذه نساؤهم ) قال القاضي قيل يحتمل
(14/108)

أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله وملكوا بسببه وقيل يحتمل أن الهلاك كان به وبغير مما ارتكبوه من المعاصى فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر