( باب الاستئذان )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2153 ] ( اذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) أجمع العلماء أن الاستئذان
(14/130)

مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة واجماع الأمة والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به فى القرآن واختلفوا فى أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام الصحيح الذى جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل والثانى يقدم الاستئذان والثالث وهو اختيار الماوردى من أصحابنا ان وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام والاقدم الاستئذان وصح عن النبى صلى الله عليه و سلم حديثان فى تقديم السلام أما اذا أستأذن ثلاثا فلم يؤذن له وظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب أشهرها أنه ينصرف ولايعيد الاستئذان والثانىيزيد فيه والثالث ان كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعادة فمن قال بالأظهر فحجته قوله صلى الله عليه و سلم فى هذا الحديث فلم يؤذن له فليرجع ومن قال بالثانى حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن والله أعلم قوله ( قال عمر أقم عليه البينة والاأوجعتك فقال أبى بن كعب لايقوم معه الاأصغر القوم قال أبو سعيد قلت أنا أصغر القوم فأذهب به ) معنى كلام أبى بن كعب رضى الله عنه الانكار على عمر فى انكاره الحديث وأما قوله لايقوم معه الاأصغر القوم فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا وصغارنا حتى أن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وزعم أن عمر رضى الله عنه رد حديث أبى موسى هذا لكونه خبر واحد وهذا مذهب باطل وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر وأما قول عمر لأبى
(14/131)

موسى أقم عليه البينة فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبى صلى الله عليه و سلم حتى يقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبى صلى الله عليه و سلم فأراد سد الباب خوفا من غير أبى موسى لاشكا فى رواية أبى موسى فانه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبى صلى الله عليه و سلم مالم يقل بل أراد زجر غيره بطريقة فان من دون أبى موسى اذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان فى قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبى موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبى موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه اخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد وكذا مازاد حتى يبلغ التواتر فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد ومما يؤيده أيضا ماذكره مسلم فى الرواية الأخيرة من قضية أبى موسى هذه أن أبيا رضى الله عنه قال يا بن الخطاب فلاتكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سبحان الله انما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت والله أعلم قوله ( فلوما استأذنت ) أى هلا استأذنت ومعناها التحضيض على الاستئذان
(14/132)

قوله ( فها وإلا فلأجعلنك عظة ) أى فهات البينة قوله ( يضحكون ) سبب ضحكهم التعجب
(14/133)

من فزع أبى موسى وذعره وخوفه من العقوبة مع أنهم قدأمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبى صلى الله عليه و سلم قوله ( ألهانى عنه الصفق بالأسواق ) أى التجارة والمعاملة فى الأسواق قوله ( أقم البينة وإلا أو جعتك ) وفى الرواية الأخرى
(14/134)

والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد وفى رواية لأجعلنك نكالاهذا كله محمول على أن تقديره لأفعلن بك هذا الوعيد بان أنك تعمدت كذبا والله أعلم