( باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2163 ] ( اذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) وفى رواية ان أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال قولوا وعليكم وفى رواية [ 2164 ] ان اليهود اذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل عليك وفي رواية فقل وعليك وفى رواية [ 2165 ] ان رهطا من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ياعائشة إن الله يحب الرفق فى الأمر كله قالت ألم تسمع ما قالوا قال قد قلت وعليكم وفى رواية قد قلت عليكم بحذف الواو وفى الحديث الآخر [ 2167 ] لاتبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه إلى أضيقة اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب اذا سلموا لكن لايقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو وعليكم وقد جاءت الأحاديث التى ذكرها مسلم عليكم وعليكم باثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات باثباتها وعلى هذا فى معناه وجهان أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أى نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت والثانى أن الواو هنا للاستئناف لاللعطف والتشريك وتقديره وعليكم ماتستحقونه من الذم وأما حذف الواو فتقديره بل عليكم السام قال القاضي اختار بعض العلماء منهم بن حبيب المالكى حذف الواو لئلا يقتضى التشريك وقال غيره باثباتها كما هو فى أكثر الروايات قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أى الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابى عامة المحدثين يروون هذا
(14/144)

الحرف وعليكم بالواو وكان بن عيينة يرويه بغير واو قال الخطابى وهذا هو الصواب لأنه اذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة واذا ثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه هذا كلام الخطابى والصواب أن اثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو فى أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولاضرر فى قوله بالواو واختلف العلماء فى رد السلام على الكفار وابتدائهم به فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط ودليلنا فى الابتداء قوله صلى الله عليه و سلم لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بالسلام وفى الرد قوله صلى الله عليه و سلم فقولوا وعليكم وبهذا الذى ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روى ذلك عن بن عباس وأبي أمامة وبن أبى محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردى لكنه قال يقول السلام عليك ولايقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبافشاء السلام وهى حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث لاتبدأو اليهود ولاالنصارى بالسلام وقال بعض أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولايحرم وهذا ضعيف أيضا لأن النهى للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعى وعن الأوزاعى أنه قال ان سلمت فقد سلم الصالحون وان تركت فقد ترك الصالحون وقالت طائفة من العلماء لايرد عليهم السلام ورواه بن وهب وأشهب عن مالك وقال بعض أصحابنا يجوز أن يقول فى الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لايقول ورحمة الله حكاه الماوردى وهو ضعيف مخالف للأحاديث والله أعلم ويجوز الابتداء بالسلام على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكفار ويقصد المسلمين للحديث السابق أنه صلى الله عليه و سلم سلم على مجلس فيه اخلاط من المسلمين والمشركين قوله صلى الله عليه و سلم ياعائشة ان الله يحب الرفق فى الأمر كله هذا من عظيم خلقه صلى الله عليه و سلم وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة قولها عليكم السام والذام هو بالذال المعجمة وتخفيف الميم وهو الذم ويقال بالهمزة أيضا والأشهر ترك الهمز وألفه منقلبة عن واو والذام والذيم والذم بمعنى العيب وروى الدام بالدال المهملة ومعناه الدائم وممن ذكر أنه روى بالمهملة بن الأثير ونقل القاضي الاتفاق على أنه بالمعجمة قال ولو روى بالمهملة لكان له وجه والله أعلم
(14/145)

قوله [ 2166 ] ( ففطنت بهم عائشة فسبتهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مه ياعائشةفان الله لايحب الفحش والتفحش ) مه كلمة زجر عن الشيء وقوله ففطنت هو بالفاء وبالنون بعد الطاء من الفطنة هكذا هو فى جميع النسخ وكذا نقله القاضي عن الجمهور قال ورواه بعضهم فقطبت بالقاف وتشديد الطاء وبالباء الموحدة وقدتخفيف الطاء فى هذا اللفظ وهو بمعنى قوله فى الرواية الأخرى غضبت ولكن الصحيح الأول وأما سبها لهم ففيه الانتصار من الظالم وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم وأما الفحش فهو القبيح من القول والفعل وقيل الفحش مجاوزة الحد وفى هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين اذا لم تترتب عليه مفسدة قال الشافعى رحمه الله الكيس العاقل هو الفطن المتغافل قوله صلى الله عليه و سلم واذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه إلى أضيقة قال أصحابنا لايترك للذمى صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه اذا كان المسلمون يطرقون فان خلت الطريق عن الرحمة فلاحرج قالوا وليكن التضييق بحيث لايقع فى وهدة ولايصدمه جدار ونحوه والله أعلم
(14/147)