باب صفة شعره صلى الله عليه و سلم وصفاته وحليته
 
قوله [ 2336 ] ( كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤسهم وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل ناصيته ثم فرق بعد ) قال أهل اللغة يقال سدل يسدل ويسدل بضم الدال وكسرها قال القاضي سدل الشعر ارساله قال والمراد به هنا عند العلماء ارساله على الجبين واتخاذه كالقصة يقال سدل شعره وثوبه اذا أرسله ولم يضم جوانبه وأما الفرق فهو فرق الشعر بعضه من بعض قال العلماء والفرق سنة لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه و سلم قالوا فالظاهر أنه انما رجع إليه بوحي لقوله أنه كان يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر به قال القاضي حتى قال بعضهم نسخ المسدل فلا يجوز فعله ولا اتخاذ الناصية والجمة قال ويحتمل أن المراد جواز الفرق لا وجوبه ويحتمل أن الفرق كان باجتهاد في مخالفة أهل الكتاب لا بوحي ويكون الفرق مستحبا ولهذا اختلف السلف فيه ففرق منهم جماعة واتخذ اللمة آخرون وقد جاء في الحديث أنه كان للنبي صلى الله عليه و سلم لمة فإن انفرقت فرقها والا تركها قال مالك فرق الرجل أحب الي هذا كلام القاضي والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق وأن الفرق أفضل والله أعلم قال القاضي واختلف العلماء في تأويل موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه شيء فقيل فعله استئلافا لهم في أول الاسلام وموافقة لهم على مخالفة عبدة الأوثان فلما أغنى الله تعالى عن استئلافهم وأظهر الاسلام على الدين كله صرح بمخالفتهم في غير شيء منها صبغ الشيب وقال آخرون يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه شيء وانما كان هذا فيما علم أنهم لم يبدلوه واستدل بعض الأصوليين بهذا الحديث أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم )
(15/90)

يرد شرعنا بخلافه وقال آخرون بل هذا دليل أنه ليس بشرع لنا لأنه قال يحب موافقتهم فأشار إلي أنه إلي خيرته ولو كان شرعا لنا لتحتم اتباعه والله أعلم قوله [ 2337 ] ( كان رسول الله صلي الله عليه وسلم مربوعا ) هو بمعنى قوله في الرواية الثانية ليس بالطويل ولا بالقصير قوله ( عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه ) وفي رواية ما رأيت من ذي لمة أحسن منه وفي رواية كان يضرب شعره منكبيه وفي رواية إلى أنصاف أذنيه وفي رواية بين أذنيه وعاتقه قال أهل اللغة الجمة أكثر من الوفرة فالجمة الشعر الذي نزل إلى المنكبين والوفرة مانزل إلى شحمة الأذنين واللمة التي ألمت بالمنكبين قال القاضي والجمع بين هذه الروايات أن ما يلى الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنيه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه قال وقيل بل ذلك لاختلاف الاوقات فاذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب واذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين فكان يقصر ويطول بحسب ذلك والعاتق ما بين المنكب والعنق وأما شحمة الأذن فهو اللين منها في أسفلها وهو معلق القرط منها وتوضح هذه الروايات رواية ابراهيم الحربي كان
(15/91)

شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة ودون الجمة قوله في حديث البراء ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ) قال القاضي ضبطناه خلقا بفتح الخاء واسكان اللام هنا لأن مراده صفات جسمه قال وأما في حديث أنس فرويناه بالضم لأنه انما أخبر عن حسن معاشرته وأما قوله وأحسنه فقال أبو حاتم وغيره هكذا تقوله العرب وأحسنه يريدون وأحسنهم ولكن لا يتكلمون به وانما يقولون أجمل الناس وأحسنه ومنه الحديث خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أشفقه على ولد وأعطفه على زوج وحديث أبي سفيان عندي أحسن نساء العرب وأجمله قوله [ 2338 ] ( كان شعرا رجلا ليس بالجعد ولا السبط ) هو بفتح الراء وكسر الجيم وهو الذي بين الجعودة والسبوطة قاله الأصمعي
(15/92)

وغيره قوله [ 2339 ] ( عن شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ضليع الفم أشكل العين منهوس العقبين قال قلت لسماك ما ضليع الفم قال عظيم الفم قلت ما أشكل العين قال طويل شق العين قلت ما منهوس العقب قال قليل لحم العقب ) أما قوله في ضليع الفم فكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر قالوا والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم واسع الفم وقال شمر عظيم الأسنان وأما قوله في أشكل العين فقال القاضي هذا وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب أن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود والشهلة بالهاء حمرة في سواد العين وأما المنهوس فبالسين المهملة هكذا ضبطه الجمهور وقال صاحب التحرير وبن الأثير روى بالمهملة والمعجمة وهما متقاربان ومعناه قليل لحم العقب كما قال والله أعلم
(15/93)

قوله [ 2340 ] ( كان أبيض مليحا مقصدا ) هو بفتح الصاد المشددة وهو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير وقال شمر هو نحو الربعة والقصد بمعناه والله أعلم
(