باب قدر عمره صلى الله عليه و سلم وإقامته بمكة والمدينة )
 
[ 2348 ] [ 2349 ] ذكر في الباب ثلاث روايات إحداها انه صلى الله عليه و سلم توفى وهو بن ستين سنة والثانية خمس وستون والثالثة ثلاث وستون وهي اصحها واشهرها رواه مسلم هنا من رواية عائشة وأنس وبن عباس رضي الله عنهم واتفق العلماء على ان أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة ايضا وحصل فيها اشتباه وقد أنكر عروة على بن عباس قوله ( خمس وستون ) ونسبه إلى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين [ 2350 ] [ 2351 ] [ 2352 ] [ 2353 ] واتفقوا انه صلى الله عليه و سلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة اربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقيل الهجرة والصحيح انها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثا وستين وهذا الذي ذكرناه انه بعث على رأس اربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء وحكى القاضي عياض عن بن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة انه صلى الله عليه و سلم بعث على رأس ثلاث واربعين سنة
(15/99)

والصواب اربعون كما سبق وولد عام الفيل على الصحيح المشهور وقيل بعد الفيل بثلاث سنين وقيل باربع سنين وادعى القاضي عياض الاجماع على عام الفيل وليس كما ادعى واتفقوا انه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الاول وتوفي يوم الاثنين من شهر ربيع الاول واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشهر أم ثامنه ام عاشره ام ثاني عشره ويوم الوفاة ثاني عشره ضحى والله اعلم قوله [ 2347 ] ( ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ) المراد بالبائن زائد الطول أي هو بين زائد الطول والقصير وهو بمعنى ما سبق انه كان مقصدا قوله ( ولا الابيض الأمهق ولا بالآدم ) الأمهق بالميم هو شديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهمه الناظر أبرص والآدم الاسمر معناه ليس باسمر ولا بابيض كريه البياض بل أبيض بياضا نيرا كما قال في الحديث السابق انه صلى الله عليه و سلم كان أزهر اللون وكذا قال في الرواية التي بعده كان أزهر قوله ( قلت لعروة كم لبث النبي صلى الله عليه و سلم بمكة قال عشرا قلت فان بن عباس يقول بضع عشرة قال فغفره وقال انما أخذه من قول الشاعر ) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فغفره بالغين والفاء وكذا نقله القاضي عن رواية الجلودي ومعناه دعا له بالمغفرة فقال غفر الله له وهذه اللفظة يقولونها غالبا لمن غلط في شئ فكأنه قال اخطأ غفر الله له قال القاضي وفي رواية بن ماهان فصغره بصاد ثم غين أي استصغره عن معرفته هذا وادراكه ذلك وضبطه وانما أسند فيه إلى قول الشاعر
(15/100)

وليس معه علم بذلك ويرجح القاضي هذا القول قال والشاعر هو أبو قيس صرمة بن أبي أنس حيث يقول ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى خليلا مواتيا
(15/101)

وقد وقع هذا البيت في بعض نسخ صحيح مسلم وليس هو في عامتها قلت وأبو قيس هذا هو صرمة بن أبي انس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري هكذا نسبه بن إسحاق قال كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الاوثان واغتسل من الجنابة واتخذ بيتا له مسجدا لا يدخل عليه حائض ولا جنب وقال أعبد رب إبراهيم فلما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة أسلم فحسن إسلامه وهو شيخ كبير وكان قوالا بالحق وكان معظما لله تعالى في الجاهلية يقول الشعر
(15/102)

في تعظيمه سبحانه وتعالى قوله ( سمع معاوية يخطب فقال مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بن ثلاث وستين وأبو بكر وعمر وأنا بن ثلاث وستين هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وتقديره وأبو بكر وعمر كذلك ثم استأنف فقال وأنا بن ثلاث وستين أي وأنا متوقع موافقتهم
(15/103)

واني اموت في سنتي هذه قوله ( يسمع الصوت ويرى الضوء ) قال القاضي أي صوت الهاتف به من الملائكة ويرى الضوء اي نور الملائكة ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه بوحى الله تعالى
(