باب من فضائل موسى صلى الله عليه و سلم )
 
قوله [ 339 ] ( انه آدر ) بهمزة ممدودة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء وهو عظيم الخصيتين وجمع الحجر اي ذهب مسرعا إسراعا بليغا وطفق ضربا اي جعل يضرب يقال طفق يفعل كذا وطفق بكسر الفاء وفتحها وجعل واخذ واقبل بمعنى واحد واما الندب فهو بفتح النون والدال واصله أثر الجرح اذا لم يرتفع عن الجلد وقوله ( ثوبي حجر ) اي دع ثوبي ياحجر قوله ( فما توارت يدك من شعرة فانك تعيش بها سنة ) هكذا هو في جميع النسخ توارت ومعناه وارت وسترت
(15/126)

قوله ( فاغتسل عند مويه ) وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا ومعظم غيرها مويه بضم الميم وفتح الواو وإسكان الياء وهو تصغير ماء واصله موه والتصغير يرد الاشياء إلى اصولها وقال القاضي وقع في بعض الروايات مويه كما ذكرناه وفي معظمها مشربة بفتح الميم واسكان الشين وهي حفرة في اصل النخلة يجمع الماء فيها لسقيها قال القاضي واظن الاول تصحيفا كما سبق والله اعلم وفي هذا الحديث فوائد منها ان فيه معجزتين ظاهرتين لموسى صلى الله عليه و سلم احداهما مشى الحجر بثوبه إلى ملأ بني اسرائيل والثانية حصول الندب في الحجر ومنها وجود التمييز في الجماد كالحجر ونحوه ومثله تسليم الحجر بمكة وحنين الجذع ونظائره وسبق قريبا بيان هذه المسألة مبسوطة ومنها جواز الغسل عريانا في الخلوة وان كان ستر العورة افضل وبهذا قال الشافعي ومالك وجماهير العلماء وخالفهم بن ابي ليلى وقال ان للماء ساكنا واحتج في ذلك بحديث ضعيف ومنها ما ابتلى به الانبياء والصالحون من اذى السفهاء والجهال وصبرهم عليهم ومنها ما قاله القاضي وغيره ان الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسلامه منزهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من العاهات والمعايب قالوا ولا التفات إلى ما قاله من لا تحقيق له من اهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعضهم بل نزههم الله تعالى من كل عيب وكل شئ يبغض العيون او ينفر القلوب قوله [ 2372 ] ( عن ابي هريرة قال أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ففقا عينه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال فرد الله إليه عينه وقال ارجع إليه
(15/127)

فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال اي رب ثم مه قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله تعالى ان يدنيه من الارض المقدسة رميه بحجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلو كنت ثم لاريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الاحمر ) وفي الرواية الاخرى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء ملك الموت إلى موسى فقال أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وذكر نحو ما سبق اما قوله صكه فهو بمعنى لطمه في الرواية الثانية وفقأ عينه بالهمز ومتن الثور ظهره ورمية حجر اي قدر ما يبلغه وقوله ثم مه هي هاء السكت وهو استفهام اي ثم ماذا يكون أحياة ام موت والكثيب الرمل المستطيل المحدودب ومعنى اجب ربك اي الموت ومعناه جئت لقبض روحك واما سؤاله الادناء من الارض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الانبياء وغيرهم قال بعض العلماء وإنما سأل الادناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لانه خاف ان يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس وفي هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين والله اعلم
(15/128)

قال المازري وقد انكر بعض الملاحدة هذا الحديث وانكر تصوره قالوا كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت قال واجاب العلماء عن هذا بأجوبة احدها انه لا يمتنع ان يكون موسى صلى الله عليه و سلم قدأذن الله تعالى له في هذه اللطمة ويكون ذلك امتحانا للملطوم والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ماشاء ويمتحنهم بما اراد والثاني ان هذا على المجاز والمراد ان موسى ناظره وحاجه فغلبه بالحجة ويقال فقأ فلان عين فلان اذا غالبه بالحجة ويقال عورت الشئ اذا أدخلت فيه نقصا قال وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه و سلم فرد الله عينه فان قيل اراد رد حجته كان بعيدا والثالث ان موسى صلى الله عليه و سلم لم يعلم انه ملك من عند الله وظن انه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها فأدت المدافعة إلى فقء عينه لا انه قصدها بالفقء وتؤيده رواية صكه وهذا جواب الامام ابي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين واختاره المازري والقاضي عياض قالوا وليس في الحديث تصريح بانه تعمد فقء عينه فان قيل فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا
(15/129)

بانه ملك الموت فالجواب انه اتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها انه ملك الموت فاستسلم بخلاف المرة الاولى والله اعلم قوله في الرواية الثانية فالآن من قريب رب أمتني بالارض المقدسة رميه بحجرهكذا هو في معظم النسخ امتني بالميم والتاء والنون من الموت وفي بعضها أدنني بالدال ونونين وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه و سلم ( لا تفضلوا بين الانبياء ) فقد سبق بيانه وتأويله مبسوطا في اول كتاب الفضائل قوله صلى الله عليه و سلم [ 2373 ] ( ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله ثم ينفخ فيه اخرى فأكون اول من بعث فاذا موسي آخذ بالعرش فلا ادري احوسب بصعقة يوم الطور او بعث قبلي ) وفي رواية فان الناس يصعقون فاكون اول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري اكان فيمن صعق فافاق قبلي ام كان ممن استثنى الله تعالى الصعق والصعقة الهلاك والموت ويقال منه صعق الانسان وصعق بفتح الصاد وضمها وأنكر بعضهم الضم وصعقتهم الصاعقة بفتح الصاد والعين وأصعقتهم وبنو تميم يقولون الصاقعة بتقديم القاف قال القاضي وهذا من أشكل الاحاديث لان موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة
(15/130)

وانما تصعق الاحياء قوله ( ممن استثنى الله تعالى ) يدل على انه كان حيا ولم يأت ان موسى رجع إلى الحياة ولا انه حي كما جاء في عيسى وقد قال صلى الله عليه و سلم لو كنت ثم لاريتكم قبره إلى جانب الطريق قال القاضي يحتمل ان هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والارض فتنتظم حينئذ الآيات والاحاديث ويؤيده قوله صلى الله عليه و سلم فأفاق لانه إنما يقال أفاق من الغشي واما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا واما قوله صلى الله عليه و سلم فلا ادري افاق قبلي فيحتمل انه صلى الله عليه و سلم قاله قبل ان يعلم انه اول من تنشق عنه الارض ان كان هذا اللفظ علي ظاهره وان نبينا صلى الله عليه و سلم اول شخص تنشق عنه الأرض على الاطلاق قال ويجوز ان يكون معناه انه من الزمرة الذين هم اول من تنشق عنهم الارض فيكون موسى من تلك الزمرة
(15/131)

وهي والله اعلم زمرة الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم هذا آخر كلام القاضي قوله صلى الله عليه و سلم ( ولا اقول ان احدا افضل من يونس بن متي ) وفي [ 2376 ] رواية ان الله تعالى قال لا ينبغي لعبد لي يقول انا خير من يونس بن متي وفي [ 2377 ] رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما ينبغي لعبد يقول انا خير من يونس بن متي قال العلماء هذه الاحاديث تحتمل وجهين احدهما انه صلى الله عليه و سلم قال هذا قبل ان يعلم انه افضل من يونس فلما علم ذلك قال انا سيد ولد آدم ولم يقل هنا ان يونس افضل منه او من غيره من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم والثاني انه صلى الله عليه و سلم قال هذا زجرا عن ان يتخيل احد من الجاهلين شيئا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه و سلم من اجل ما في القرآن العزيز من قصته قال العلماء وما جرى ليونس صلى الله عليه و سلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة وخص يونس بالذكر لما ذكرناه من ذكره في القرآن بما ذكر واما قوله صلى الله عليه و سلم ما ينبغي لعبد ان يقول انا خير من يونس فالضمير في انا قيل يعود إلي النبي صلى الله عليه و سلم وقيل يعود إلي القائل اي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة او علم او غير ذلك من الفضائل فانه لو بلغ من الفضاء
(15/132)

ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله وهي قوله تعالى لا ينبغي لعبد ان يقول انا خير من يونس بن متي والله اعلم قوله صلى الله عليه و سلم [ 2375 ] ( مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره ) هذا الحديث سبق شرحه في أواخر كتاب الايمان عند ذكر موسى وعيسى صلى الله عليه و سلم
(15/133)

(