( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم )
 
قال الامام ابو عبد الله المازري اختلف الناس في تفضيل بعض الصحابة علي بعض فقالت طائفة لا نفاضل بل نمسك عن ذلك وقال الجمهور بالتفضيل ثم اختلفوا فقال اهل السنة افضلهم ابو بكر الصديق وقال الخطابية افضلهم عمر بن الخطاب وقالت الراوندية افضلهم العباس وقالت الشيعة علي واتفق اهل السنة على ان افضلهم ابو بكر ثم عمر قال جمهورهم ثم عثمان ثم علي وقال بعض اهل السنة من اهل الكوفة بتقديم علي على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان قال ابو منصور البغدادي اصحابنا مجمعون على ان افضلهم الخلفاء الاربعة على الترتيب المذكور ثم تمام العشرة ثم اهل بدر ثم احد ثم بيعة الرضوان وممن له مزية اهل العقبتين من الانصار وكذلك السابقون الاولون وهم من صلى إلى القبلتين في قول بن المسيب وطائفة وفي قول الشعبي اهل بيعة الرضوان وفي قول عطاء ومحمد بن كعب اهل بدر قال القاضي عياض وذهبت طائفة منهم بن عبد البر إلى ان من توفي من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه و سلم افضل ممن بقي بعده وهذا الاطلاق غير مرضي ولا مقبول واختلف العلماء في ان التفضيل المذكور قطعي ام لا وهل هو في الظاهر والباطن ام في الظاهر خاصة وممن قال بالقطع ابو الحسن الاشعري قال وهم في الفضل على ترتيبهم في الامامة وممن قال بانه اجتهادي ظني ابو بكر الباقلاني وذكر بن الباقلاني اختلاف العلماء في ان التفضيل هل هو في الظاهر ام في الظاهر والباطن جميعا وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة ايتهما افضل وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم اجمعين واما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالاجماع وقتل مظلوما وقتلته فسقة لان موجبات القتل مضبوطة ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ولم يشارك في قتله احد من الصحابة وانما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة
(15/148)

الاطراف والارذال تحزبوا وقصدوه من مصر فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه واما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالاجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره واما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه واما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب انفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها ولم يخرج شئ من ذلك احدا منهم عن العدالة لانهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص احد منهم واعلم ان سبب تلك الحروب ان القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة اقسام قسم ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في هذا الطرف وان مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح احد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لانه لا يحل الاقدام على قتال مسلم حتى يظهر انه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان احد الطرفين وان الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم ولهذا اتفق اهل الحق ومن يعتد به في الاجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم اجمعين
(