باب من فضائل عمر رضي الله عنه
 
قوله [ 2389 ] ( فتكنفه الناس ) اي احاطوا به والسرير هنا النعش قوله ( فلم يرعني الا برجل ) هو بفتح الياء وضم الراء ومعناه لم يفجأني الا ذلك وقوله برجل هكذا هو في النسخ برجل بالباء اي لم يفجأني الامر او الحال الا برجل وفي هذا الحديث فضيلة ابي بكر وعمر وشهادة علي لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم اجمعين قوله صلى الله عليه و سلم )
(15/158)

9 - في رؤيا المنام [ 2390 ] ( ومر عمر وعليه قميص يجره قالوا ما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين ) وفي الرواية الاخرى [ 2391 ] رايت قدحا اتيت به فيه لبن فشربت منه حتى اني لأرى الرى يخرج من اظفاري ثم اعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم قال اهل العبارة القميص في النوم معناه الدين وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به واما تفسير اللبن بالعلم فلإشتراكهما في كثرة النفع وفي انهما سبب الصلاح فاللبن غذاء الاطفال وسبب صلاحهم وقوت للابدان بعد ذلك والعلم سبب لصلاح الآخرة والدنيا قوله صلي الله عليه وسلم [ 2392 ] ( رايتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم اخذها بن ابي قحافة فنزع بها ذنوبا او ذنوبين وفي نزعه والله يغفر له ضعف ثم استحالت غربا فاخذها بن الخطاب فلم ار عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن ) اما القليب فهي البئر غير المطوية والدلو يذكر ويؤنث والذنوب بفتح الذال الدلو المملوءة والغرب بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وهي الدلو العظيمة والنزع الاستقاء
(15/159)

والضعف بضم الضاد وفتحها لغتان مشهورتان الضم افصح ومعنى استحالت صارت وتحولت
(15/160)

من الصغر إلى الكبر واما العبقري فهو السيد وقيل الذي ليس فوقه شئ ومعنى ضرب الناس بعطن اي ارووا ابلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح قال العلماء هذا المنام مثال واضح لما جرى لابي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه و سلم ومن بركته وآثار صحبته فكان النبي صلى الله عليه و سلم هو صاحب الامر فقام به اكمل قيام وقرر قواعد الاسلام ومهد اموره واوضح اصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله افواجا وانزل الله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم ثم توفي صلى الله عليه و سلم فخلفه ابو بكر رضي الله عنه سنتين واشهرا وهو المراد بقوله صلى الله عليه و سلم ذنوبا او ذنوبين وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الاخرى وحصل في خلافته قتال اهل الردة وقطع دابرهم واتساع الاسلام ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الاسلام في زمنه وتقرر لهم من احكامه مالم يقع مثله فعبر بالقليب عن امر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم وشبه اميرهم بالمستقى لهم وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير امورهم واما قوله صلى الله عليه و سلم في ابي بكر رضي الله عنه وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلة ابي بكر ولا اثبات فضيلة لعمر عليه وانما هو اخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الاسلام وبلاده والاموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصر الأمصار ودون الدواوين واما قوله صلى الله عليه و سلم والله يغفر له فليس فيه تنقيص له ولا اشارة إلى ذنب وانما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم انها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك قال العلماء وفي كل هذا اعلام بخلافة ابي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها قوله صلى الله عليه و سلم ( فجاءني ابو بكر فاخذ الدلو من يدي ليروحني ) قال العلماء
(15/161)

فيه اشارة إلى نيابة ابي بكر عنه وخلافته بعده وراحته صلى الله عليه و سلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها كما قال صلى الله عليه و سلم مستريح ومستراح منه الحديث والدنيا سجن المؤمن ولا كرب على ابيك بعداليوم قوله صلى الله عليه و سلم [ 2393 ] ( فلم ار عبقريا من الناس يفري فريه ) اما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء وأما فريه فروى بوجهين أحدهما فريه باسكان الراء وتخفيف الياء والثانية كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان وانكر الخليل التشديد وقال هو غلط اتفقوا على ان معناه لم ار سيدا يعمل عمله ويقطع قطعه واصل الفري بالاسكان القطع يقال فريت الشئ أفريه فريا قطعته للاصلاح فهو مفري وفري وافريته اذا شققته على جهة الافساد وتقول العرب تركته يفرى الفرى اذا عمل العمل فاجاده ومنه حديث حسان لافرينهم فرى الاديم اي أقطعهم بالهجاء كما يقطع الاديم قوله صلى الله عليه و سلم ( حتى ضرب الناس بعطن ) سبق تفسيره قال القاضي ظاهره انه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل يعود إلى خلافة ابي بكر وعمر جميعا لان بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الامر وضرب الناس بعطن لان ابا بكر قمع اهل الردة وجمع شمل المسلمين والفهم وابتدأ الفتوح ومهد الامور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه و سلم ( كأني انزع بدلو بكرة ) هي باسكان
(15/162)

الكاف وفتحها قوله صلى الله عليه و سلم ( حتى روى الناس ) هوبكسر الواو والمخففة
(15/163)

اي اخذوا كفايتهم قوله [ 2396 ] ( عن صالح عن بن شهاب قال اخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن سيدان محمد بن سعد ابي وقاص اخبره ان اباه سعدا قال استاذن عمر ) هذاالحديث اجتمع فيه اربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم صالح وبن شهاب وعبد الحميد ومحمد وقد راى عبد الحميد بن عباس [ 2396 ] [ 2397 ] قوله ( وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية اصواتهن ) قال العلماء معنى يستكثرنه يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن وقوله عالية اصواتهن قال القاضي يحتمل ان هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه و سلم ويحتمل ان علو اصواتهن انما كان باجتماعها لا ان كلام كل واحدة
(15/164)

بانفرادها اعلى من صوته صلى الله عليه و سلم قوله ( قلن انت اغلظ وافظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) الفظ والغليظ بمعنى وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب قال العلماء وليست لفظة افعل هنا للمفاضلة بل هي بمعنى فظ غليظ قال القاضي وقد يصح حملها على المفاضلة وان القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه و سلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين كما قال تعالى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله تعالى والله اعلم وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق مالم يفوت مقصودا شرعيا قال الله تعالى واخفض جناحك للمؤمنين وقال تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال تعالى بالمؤمنين رؤف رحيم قوله صلى الله عليه و سلم ( والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ) الفج الطريق الواسع ويطلق ايضا على المكان المنخرق بين الجبلين وهذا الحديث محمول على ظاهره ان الشيطان متى راى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر ان يفعل فيه شيئا قال القاضي ويحتمل انه ضرب مثلا لبعد الشيطان وإغوائه منه وان عمر في جميع اموره سالك
(15/165)

طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الاول قوله [ 2398 ] ( عن بن وهب عن ابراهيم بن سعد عن ابيه عن ابي سلمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه كان يقول قد كان يكون في الامم محدثون فان يكن في امتي منهم احد فان عمر بن الخطاب منهم ) قال بن وهب تفسير محدثون ملهمون هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال المشهور فيه عن ابراهيم بن سعد عن ابيه عن ابي سلمة قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه و سلم واخرجه البخاري من هذا الطريق عن ابي سلمة عن ابي هريرة واختلف تفسير العلماء للمراد بمحدثون فقال بن وهب ملهمون وقيل مصيبون واذا ظنوا فكأنهم حدثوا بشئ فظنوا وقيل تكلمهم الملائكة وجاء في رواية متكلمون وقال البخاري يجري الصواب على السنتهم وفيه اثبات كرامات الاولياء قوله [ 2399 ] ( قال عمر وافقت ربي في ثلاث في مقام ابراهيم وفي الحجاب وفي اسارى بدر ) هذا من اجل مناقب عمر وفضائله رضي الله عنه وهو مطابق للحديث قبله ولهذا عقبه مسلم به وجاء في هذه الرواية وافقت ربي في ثلاث وفسرها بهذه الثلاث وجاء في رواية اخرى في الصحيح اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم عليه في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن فنزلت الاية بذلك وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين ونزول الاية
(15/166)

بذلك وجاءت موافقته في تحريم الخمر فهذه ست وليس في لفظه ما ينفي زيادة الموافقة والله اعلم قوله [ 2400 ] ( لما توفي عبد الله بن ابي بن سلول ) هكذا صوابه ان يكتب بن سلول بالالف ويعرب باعراب عبد الله فانه وصف ثان له لانه عبد الله بن ابي وهو عبد الله بن سلول ايضا فابي ابوه وسلول امه فنسب إلى ابويه جميعا ووصف بهما وقد سبق بيان هذا ونظائره في كتاب الايمان في حديث المقداد حين قتل من اظهر الشهادة واوضحنا هناك وجوهها قوله ( ان النبي صلى الله عليه و سلم اعطاه قميصه ليكفن فيه اباه المنافق ) قيل انما اعطاه قميصه وكفنه فيه تطييبا لقلب ابنه فانه كان صحابيا صالحا وقد سأل ذلك فاجابه إليه وقيل مكافأة لعبد الله المنافق الميت لانه كان البس العباس حين اسر يوم بدر قميصا وفي هذا الحديث بيان عظيم مكارم اخلاق النبي صلى الله عليه و سلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الايذاء وقابله بالحسنى فالبسه قميصا كفنا وصلى عليه واستغفر له قال الله تعالى انك لعلى خلق عظيم وفيه تحريم الصلاة والدعاء له بالمغفرة والقيام على قبره للدعاء
(15/167)

(