باب فضائل خديجة )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2430 ] ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وأشار وكيع إلى السماء والارض ) أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الارض أي كل من بين السماء والارض من النساء والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الارض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه قال القاضي ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الارض والصحيح الاول قوله صلى الله عليه و سلم [ 2431 ] ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ) يقال كمل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات الكسر ضعيف قال القاضي هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم والجمهور على أنهما ليستا نبيتين بل هما صديقتان ووليتان من أولياء الله تعالى ولفظة الكمال تطلق على تمام الشئ وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى قال القاضي فإن قلنا هما نبيتان
(15/198)

فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما وإن قلنا وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما هذا كلام القاضي وهذا الذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها والله اعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) قال العلماء معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد وثريد مالا لحم فيه افضل من مرقه والمراد بالفضيلة نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الانسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الاطعمة وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لإحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة قوله [ 2432 ] ( عن أبي هريرة قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه آدام أو طعام أو شراب فاذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) هذا الحديث من مراسيل الصحابة وهو حجة عند الجماهير كما سبق وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق
(15/199)

[ 2433 ] [ 2434 ] الإسفرائيني لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم أو من صحابي ولم يذكر أبو هريرة هنا سماعه من النبي صلى الله عليه و سلم وقوله أولا قد أتتك معناه توجهت اليك وقوله فاذا هي أتتك أي وصلتك فاقرأ عليها السلام أي سلم عليها وهذه فضائل ظاهرة لخديجة رضي الله عنها وقوله ببيت من قصب قال جمهور العلماء المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف وقيل قصب من ذهب منظوم بالجوهر قال أهل اللغة القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف قالوا ويقال لكل مجوف قصب وقد جاء في الحديث مفسرا ببيت من لؤلؤة محياة وفسروه بمجوفة قال الخطابي وغيره المراد بالبيت هنا القصر وأما الصخب فبفتح الصاد والخاء وهو الصوت المختلط المرتفع والنصب المشقة والتعب ويقال فيه نصب بضم النون وإسكان الصاد وبفتحهما لغتان حكاهما القاضي وغيره كالحزن والحزن والفتح أشهر وأفصح وبه جاء القرآن وقد نصب الرجل بفتح النون
(15/200)

وكسر الصاد إذا أعيا قوله [ 2435 ] ( عن عائشة قالت هلكت خديجة قبل أن يتزوجني بثلاث سنين ) تعني قبل أن يدخل بها لا قبل العقد وإنما كان قبل العقد بنحو سنة ونصف قوله ( يهديها إلى خلائلها ) أي صدائقها جميع خليلة وهي الصديقة قوله صلى الله عليه و سلم ( رزقت حبها ) فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت
(15/201)

قولها [ 2437 ] ( فارتاح لذلك أي هش لمجيئها وسر بها لتذكره بها خديجة وأيامها وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب قولها ( عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ) معناه عجوز كبيرة جدا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق لشدقها بياض شئ من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها قال القاضي قال المصري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك ولهذا لم تزجر عائشة عنها قال القاضي وعندي أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها ولعلها لم تكن بلغت حينئذ
(