باب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2438 ] ( جاءني بك الملك في سرقة من حرير ) هي بفتح السين المهملة والراء وهي الشقق البيض من الحرير قاله أبو عبيد وغيره قوله صلى الله عليه و سلم ( فأقول إن يك من عند الله يمضه ) قال القاضي إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة وقبل تخليص أحلامه صلى الله عليه و سلم
(15/202)

من الأضغاث فمعناها إن كانت رؤيا حق وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاثة معان أحدها أن المراد إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير فسيمضه الله تعالى وينجزه فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرف على ظاهرها الثاني أن المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله فالشك أنها زوجته في الدنيا أم في الجنة الثالث أنه لم يشك ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك كما قال أأنت أم أم سالم وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف وسماه بعضهم مزج الشك باليقين قوله صلى الله عليه و سلم لعائشة [ 2439 ] ( إني لأعلم اذا كنت عني راضية واذا كنت علي غضبى إلى قولها يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك ) قال القاضي مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه و سلم هي مما سبق من الغيرة التي عفى عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة يسقط عنها الحد اذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة قال واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي صلى الله عليه و سلم وهجره كبيرة عظيمة ولهذا قالت لا أهجر إلا اسمك فدل على أن قلبها وحبها كما كان وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة قال القاضي واستدل بعضهم بهذا أن الاسم غير المسمى في المخلوقين وأما في حق الله تعالى فالاسم هو المسمى قال القاضي وهذا كلام من لا تحقيق
(15/203)

عنده من معنى المسألة لغة ولا نظرا ولا شك عند القائلين بأن الاسم هو المسمى من أهل السنة وجماهير أئمة اللغة أو مخالفيهم من المعتزلة أن الاسم قد يقع أحيانا والمراد به التسمية حيث كان في خالق أو مخلوق ففي حق الخالق تسمية المخلوق له باسمه وفعل المخلوق ذلك بعباراته المخلوقة وأما أسماؤه سبحانه وتعالى التي سمى بها نفسه فقديمة كما أن ذاته وصفاته قديمة وكذلك لا يختلفون أن لفظة الاسم اذا تكلم بها المخلوق فتلك اللفظة والحروف والأصوات المقطعة المنفهم منها الاسم أنها غير الذات بل هي التسمية وإنما الاسم الذي هو الذات ما يفهم منه من خالق ومخلوق هذا آخر كلام القاضي قوله [ 2440 ] ( عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ) قال القاضي فيه جواز اللعب بهن قال وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن قال وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن وروي عن مالك كراهة شرائهن وهذا محمول على كراهة الاكتساب بها وتنزيه ذوي المروآت عن تولي بيع ذلك لا كراهة اللعب قال ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن وقالت طائفة هو منسوخ بالنهي عن الصور هذا كلام القاضي قولها ( وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يسر بهن الي ) معنى ينقمعن يتغيبن حياء منه وهيبة وقد يدخلن في بيت ونحوه وهو قريب من الاول ويسر بهن بتشديد الراء أي يرسلهن وهذا
(15/204)

من لطفه صلى الله عليه و سلم وحسن معاشرته قولها [ 2442 ] ( يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ) معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب وكان صلى الله عليه و سلم يسوي بينهن في الافعال والمبيت ونحوه وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وإنما يؤمر بالعدل في الافعال وقد اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في أنه صلى الله عليه و سلم هل كان يلزمه القسم بينهن في الدوام والمساواة في ذلك كما يلزم غيره أم لا يلزمه بل يفعل ما يشاء من إيثار وحرمان فالمراد بالحديث طلب المساواة في محبة القلب لا العدل في الافعال فإنه كان حاصلا قطعا ولهذا كان يطاف به
(15/205)

صلى الله عليه و سلم في مرضه عليهن حتى ضعف فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له قولها ( يناشدنك ) أي يسألنك قولها ( هي التي تساميني ) أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة مأخوذ من السمو وهو الارتفاع قولها ( ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة ) هكذا هو في معظم النسخ سورة من حد بفتح الحاء بلا هاء وفي بعضها من حده بكسر الحاء وبالهاء وقولها سورة هي بسين مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم راء ثم تاء والسورة الثوران وعجلة الغضب وأما الحدة فهي شدة الخلق وثورانه ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها الفيئة بفتح الفاء وبالهمز وهي الرجوع أي اذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعا ولا تصر عليه وقد صحف صاحب التحرير في هذا الحديث تصحيفا قبيحا جدا فقال ما عدا سودة بالدال
(15/206)

وجعلها سودة بنت زمعة وهذا من الغلط الفاحش نبهت عليه لئلا يغتر به قولها ( ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يكره أن أنتصر فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها ) أما أنحيت فبالنون المهملة أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة وفي بعض النسخ حتى بدل حين وكلاهما صحيح ورجح القاضي حين بالنون ومعنى لم أنشبها لم أمهلها وفي الرواية الثانية لم أنشبها أن أثخنتها عليه بالعين المهملة وبالياء وفي بعض النسخ بالغين المعجمة واثخنتها بالثاء المثلثة والخاء المعجمة أي قمعتها وقهرتها وقولها أولا ثم وقعت بي أي استطالت علي ونالت مني بالوقيعة في أعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولاغيرها بل لا يحل اعتقاد ذلك فانه صلى الله عليه و سلم تحرم عليه خائنة الأعين وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها وأما قوله صلى الله عليه و سلم أنها ابنة أبي بكر فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها والله اعلم
(15/207)

قولها ( قبضه الله بين سحري ونحري ) السحر بفتح السين المهملة وضمها واسكان الحاء وهي الرئة وما تعلق بها قال القاضي وقيل إنما هو شجري بالشين المعجمة والجيم وشبك هذا القائل أصابعه وأومأ إلى أنها ضمته إلى نحرها مشبكة يديها عليه والصواب المعروف هو الأول قوله [ 2443 ] ( فلما كان يومي قبضه الله ) أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان صار جميع الأيام في بيتها قولها ( وأخذته بحة ) هي بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء وهي غلظ في الصوت قوله صلى الله عليه و سلم [ 2444 ] ( اللهم إغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق ) وفي رواية الرفيق الأعلى الصحيح الذي عليه الجمهور أن المراد بالرفيق الأعلى الانبياء الساكنون أعلى عليين ولفظة رفيق تطلق على الواحد والجمع قال الله تعالى وحسن أولئك رفيقا وقيل هو الله تعالى يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل وأنكر الأزهري هذا القول وقيل أراد مرتفق الجنة
(15/208)

قولها ( فأشخص بصره إلى السماء ) هوبفتح الخاء أي رفعه إلى السماء ولم يطرف قولها [ 2445 ] ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة ) أي خرجت القرعة لهما ففيه صحة الاقراع في القسم بين الزوجات وفي الأموال وفي العتق ونحو
(15/209)

ذلك مما هو مقرر في كتب الفقه مما في معنى هذا وباثبات القرعة في هذه الأشياء قال الشافعي وجماهير العلماء وفيه أن من أراد سفرا ببعض نسائه أقرع بينهن كذلك وهذا الاقراع عندنا واجب في حق غير النبي صلى الله عليه و سلم وأما النبي صلى الله عليه و سلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف قدمناه مرات فمن قال بوجوب القسم يجعل إقراعه واجبا ومن لم يوجبه يقول إقراعه صلى الله عليه و سلم من حسن عشرته ومكارم أخلاقه قولها ( إن حفصة قالت لعائشة ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك ) قال القاضي قال المهلب هذا دليل على أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه و سلم فلهذا تحيلت حفصة على عائشة بما فعلت ولو كان واجبا لحرم ذلك على حفصة وهذا الذي ادعاه ليس بلازم فإن القائل بأن القسم واجب عليه لا يمنع حديث الأخرى في غير وقت عماد القسم قال أصحابنا يجوز أن يدخل في غير وقت عماد القسم إلى غير صاحبة النوبة فيأخذ المتاع أو يضعه أو نحوه من الحاجات وله أن يقبلها ويلمسها من غير إطالة وعماد القسم في حق المسافر هو وقت النزول فحالة السير ليست منه سواء كان ليلا أو نهارا قولها ( جعلت رجلها بين الأذخر وتقول إلى آخره ) هذا الذي فعلته وقالته حملها عليه فرط الغيرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سبق أن أمر الغيرة معفو عنه قوله صلى الله عليه و سلم
(15/210)

لعائشة رضي الله عنها [ 2447 ] ( أن جبريل يقرأ عليك السلام قالت فقلت وعليه السلام ورحمة الله ) فيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها وفيه استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه قال أصحابنا وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ على الفور إذا قرأه وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال عليكم السلام أو عليكم أجزأه على الصحيح وكان تاركا للأفضل وقال بعض أصحابنا لا يجزئه وسبقت مسائل السلام في بابه مستوفاة ومعنى يقرأ عليك السلام
(15/211)

يسلم عليك قوله صلى الله عليه و سلم ( يا عائش ) دليل لجواز الترخيم ويجوز فتح الشين وضمها حديث أم زرع قوله [ 2448 ] ( أحمد بن جناب ) بالجيم والنون قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدا فذكره وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حنى بنت نعب والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة والخامسة كبشة والسادسة هند والسابعة حنى بنت علقمة والثامنة بنت أوس بن عبد والعاشرة كبشة بنت الأرقم والحادية عشر أم زرع بنت أكهل بن ساعد قولها ( جلس إحدى عشرة امرأة ) هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها جلسن بزيادة نون وهي لغة قليلة سبق بيانها في مواضع منها حديث يتعاقبون فيكم ملائكة وإحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيه اسكان الشين وكسرها وفتحها والاسكان أفصح وأشهر قولها ( زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل ) قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح
(15/212)

المراد بالغث المهزول وقولها على رأس جبل وعر أي صعب الوصول إليه فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن ومنها أنه مع ذلك غث مهزول ردئ ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة هكذا فسره الجمهور وقال الخطابي قولها على رأس جبل أي يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق قالوا وقولها ولا سمين فينتقل أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته قال الخطابي ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها يقال أنقلت الشئ بمعنى نقلته وروي في غير هذه الرواية ولا سمين فينتقي أي يستخرج نقيه والنقي بكسر النون واسكان القاف هو المخ يقال نقوت العظم ونقيته وانتقيته اذا استخرجت نقيه قولها ( قالت الثانية زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره بجره ) فقولها لاأبث خبره أي لا أنشره وأشيعه إني أخاف أن لا أذره فيه تأويلان أحدهما لابن السكيت وغيره أن الهاء عائدة على خبره فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته والثانية أن الهاء عائدة على الزوج وتكون لا زائدة كما في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ومعناه أني أخاف أن يطلقني فأذره وأما عجره وبجره فالمراد بهما عيوبه وقال الخطابي وغيره أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة قالوا وأصل العجر أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة واحدتها بجرة ومنه قيل رجل أبجر اذا كان ناتئ السرة عظيمها ويقال أيضا رجل أبجر اذا كان عظيم البطن وامرأة بجراء والجمع بجر وقال الهروي قال بن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر فإن كانت في السرة فهي بجرة قولها ( قالت الثالثة زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق ) فالعشنق بعين مهملة مفتوحة ثم شين معجمة مفتوحة ثم نون مشددة ثم قاف وهو الطويل ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع فإن ذكرت عيوبه طلقني وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة
(15/213)

( قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة ) هذا مدح بليغ ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل ليس فيه حر ولا برد مفرط ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ولا يسأمني ويمل صحبتي ( قالت الخامسة زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد ) هذا أيضا مدح بليغ فقولها فهد بفتح الفاء وكسر الهاء تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وشبهته بالفهد لكثرة نومه يقال أنوم من فهد وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين وهو وصف له بالشجاعة ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد يقال أسد واستأسد قال القاضي وقال بن أبي أويس معنى فهد إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد فكأنها تريد ضربها والمبادرة بجماعها والصحيح المشهور التفسير الأول ( قالت السادسة زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن إضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث ) قال العلماء اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيئا والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين وهي ما بقي في الإناء من الشراب فاذا شربها قيل اشتفها وتشافها وقولها ولا يولج الكف ليعلم البث قال أبو عبيد أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به لأن البث الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق وقال الهروي قال بن الأعرابي هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته قال ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها وقال آخرون أرادت أنه لا يفتقد أموري ومصالحي قال بن الأنباري رد بن قتيبة على أبي عبيدة تأويله لهذا الحرف وقال كيف تمدحه بهذا وقد ذمته في صدر الكلام قال بن الأنباري ولا رد على أبي عبيد
(15/214)

الأن النسوة تعاقدن أن لا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما والى قول بن الأعرابي وبن قتيبة ذهب الخطابي وغيره واختاره القاضي عياض ( قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك ) هكذا وقع في هذه الرواية غياياء بالغين المعجمة أو عياياء بالمهملة وفي أكثر الروايات بالمعجمة وأنكر أبو عبيد وغيره المعجمة وقالوا الصواب المهملة وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها وقال القاضي وغيره غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى سلك أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون غياياء من الغي وهو الإنهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة قال الله تعالى فسوف يلقون غيا وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره حمقا وقيل الذي يعجز عن الكلام فتنطبق شفتاه وقيل هو العي الأحمق الفدم وقولها شجك أي جرحك في الرأس فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد وقولها فلك الفل الكسر والضرب ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما وقيل المراد بالفل هنا الخصومة وقولها كل داء له داء أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه ( قالت الثامنة زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب ) الزرنب نوع من الطيب معروف قيل أرادت طيب ريح جسده وقيل طيب ثيابه في الناس وقيل لين خلقه وحسن عشرته والمس مس أرنب صريح في لين الجانب وكرم الخلق ( قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من النادي ) هكذا هو في النسخ النادي بالياء وهو الفصيح في العربية لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع قال
(15/215)

العلماء معنى رفيع العماد وصفه بالشرف وسناء الذكر وأصل العماد عماد البيت وجمعه عمد وهي العيدان التي تعمد بها البيوت أي بيته في الحسب رفيع في قومه وقيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه وهكذا بيوت الأجواد وقولها طويل النجاد بكسر النون تصفه بطول القامة والنجاد حمائل السيف فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه والعرب تمدح بذلك قولها عظيم الرماد تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز فيكثر وقوده فيكثر رماده وقيل لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان وقولها قريب البيت من النادي قال أهل اللغة النادي والناد والندى والمنتدى مجلس القوم وصفته بالكرم والسؤدد لانه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي ولأن اصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي واللئام يتباعدون من النادي ( قالت العاشرة زوجي مالك فما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح اذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك ) معناه أن له إبلا كثيرات فهي باركة بفنائه لا يوجهها تسرح الا قليلا قدر الضرورة ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه فاذا نزل به الضيفان كانت الابل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها والمزهر بكسر الميم العود الذي يضرب أرادت أن زوجها عود إبله اذا نزل به الضيفان نحر لهم منها واتاهم بالعيدان والمعازف والشراب فإذا سمعت الابل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان وأنهن منحورات هوالك هذا تفسير أبي عبيد والجمهور وقيل مباركها كثيرة لكثرة ما ينحر منها للأضياف قال هؤلاء ولو كانت كما قال الأولون لماتت هزالا وهذا ليس بلازم فإنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها ثم تبرك بالفناء وقيل كثيرات المبارك أي مباركها في الحقوق والعطايا والحمالات والضيفان كثيرة ومراعيها قلية لأنها
(15/216)

تصرف في هذه الوجوه قاله بن السكيت قال القاضي عياض وقال أبو سعيد النيسابوري إنما هو إذا سمعن صوت المزهر بضم الميم وهو موقد النار للأضياف قال ولم تكن العرب تعرف المزهر بكسر الميم الذي هو العود إلا من خالط الحضر قال القاضي وهذا خطأ منه لأنه لم يروه أحد بضم الميم ولأن المزهر بكسر الميم مشهور في أشعار العرب ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن قالت الحادية عشرة وفي بعض النسخ الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر والصحيح الأول قولها ( أناس من حلي أذني هو ) هو بتشديد الياء من أذني على التثنية والحلى بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شئ متدل يقال منه ناس ينوس نوسا وأناسه غيره أناسة ومعناه حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها قولها ( وملأ من شحم عضدي ) وقال العلماءمعناه أسمنني وملأ بدني شحما ولم ترد اختصاص العضدين لكن إذا سمنتا سمن غيرهما قولها ( وبجحني فبجحت إلى نفسي ) هو بتشديد جيم بجحني فبجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر قال الجوهري الفتح ضعيفة ومعناه فرحني ففرحت وقال بن الأنباري وعظمني فعظمت عند نفسي يقال فلان يتبجحبكذا أي يتعظم ويفتخر قولها ( وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق ) أما قولها في غنيمة فبضم الغين تصغير الغنم أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الابل وحنينها والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأهل الخيل والابل وأما قولها بشق فهو بكسر الشين وفتحها والمعروف في روايات الحديث والمشهور لأهل الحديث كسرها والمعروف عند أهل اللغة فتحها قال أبو عبيد هو بالفتح قال والمحدثون يكسرونه قال وهو موضع وقال الهروي الصواب الفتح قال بن الأنباري هو بالكسر والفتح وهو موضع وقال بن أبي أويس وبن حبيب يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم وشق الجبل ناحيته وقال القبتيني ويقطونه بشق بالكسر أي بشظف من العيش وجهد قال القاضي عياض هذا عندي أرجح واختاره أيضا غيره فحصل فيه ثلاثة أقوال وقولها ودائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره قال الهروي وغيره يقال داس
(15/217)

الطعام درسه وقيل الدائس الأبدك قولهاومنق هو بضم الميم وفتح النون وتشديد القاف ومنهم من يكسر النون والصحيح المشهور فتحها قال أبو عبيد هو بفتحها قال والمحدثون يكسرونها ولا أدري ما معناه قال القاضي روايتنا فيه بالفتح ثم ذكر قول أبي عبيد قال وقاله بن أبي أويس بالكسر وهو من النقيق وهو أصوات المواشي تصفه بكثرة أمواله ويكون منق من أنق اذا صار ذا نقيق أو دخل في النقيق والصحيح عند الجمهور فتحها والمراد به الذي ينقى الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره وهذا أجود من قول الهروي هو الذي ينقيه بالغربال والمقصود أنه صاحب زرع ويدوسه وينقيه قولها ( فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح ) معناه لا يقبح قولي فيرد بل يقبل مني ومعنى أتصبح أنام الصبحة وهي بعد الصباح أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام وقولها فأتقنح هو بالنون بعد القاف هكذا هو في جميع النسخ بالنون قال القاضي لم نروه في صحيح البخاري ومسلم إلا بالنون وقال البخاري قال بعضهم فأتقمح بالميم قال وهو أصح وقال أبو عبيد هو بالميم قال وبعض الناس يرويه بالنون ولا أدري ما هذا وقال آخرون النون والميم صحيحتان فأيهما معناه أروي حتى أدع الشراب من شدة الري ومنه قمح البعير يقمح اذا رفع رأسه من الماء بعد الري قال أبو عبيد ولا أراها قالت هذه إلا لعزة الماء عندهم ومن قاله بالنون فمعناه أقطع المشرب وأتمهل فيه وقيل هو الشرب بعد الري قال أهل اللغة قنحت الابل إذا تكارهت وتقنحته أيضا قولها ( عكومها رداح ) قال أبو عبيد وغيره العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والامتعة واحدها عكم بكسر العين ورداح أي عظام كبيرة ومنه قيل للمرأة رداح إذا كانت عظيمة الأكفال فإن قيل رداح مفردة فكيف وصف بها العكوم والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد قال القاضي جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح او يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب قولها ( وبيتها فساح ) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة أي واسع والفسيح مثله هكذا فسره الجمهور قال القاضي ويحتمل أنها أرادت كثرة الخير والنعمة قولها ( مضجعة كمسل
(15/218)

شطبة ) المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام وشطبة بشين معجمة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء وهي ما شطب من جريد النخل أي شق وهي السعفة لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول أي ماسل من قشره وقال بن الأعرابي وغيره أرادت بقولها كمسل شطبة أنه كالسيف سل من غمده قولها ( وتشبعه ذراع الجفرة ) الذراع مؤنثة وقد تذكر والجفرة بفتح الجيم وهي الأنثى من أولاد المعز وقيل من الضأن وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والذكر جفر لأنه جفر جنباه أي عظما قال القاضي قال أبو عبيد وغيره الجفرة من أولاد المعز وقال بن الانباري وبن دريد من أولاد الضأن والمراد أنه قليل الأكل والعرب تمدح به قولها طوع ابيها وطوع أمها أي مطيعة لهما منقادة لأمرهما قولها وملء كسائها أي ممتلئة الجسم سمينته وقالت في الرواية الأخرى صفر ردائها بكسر الصاد والصفر الخالي قال الهروي أي ضامرة البطن والرداء ينتهي إلى البطن وقال غيره معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله وهو موضع الكساء ويؤيد هذا أنه جاء في رواية وملء أزارها قال القاضي والأولى أن المراد امتلأ منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها قولها ( وغيظ جارتها ) قالوا المراد بجارتها ضرتها يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها وفي الرواية الأخرى وعقر جارتها هكذا هو في النسخ عقر بفتح العين وسكون القاف قال القاضي كذا ضبطناه عن جميع شيوخنا قال وضبطه الجياني عبر بضم العين واسكان الباء الموحدة وكذا ذكر ه بن الاعرابي وكأن الجياني أصلحه من كتاب الانباري وفسره الانباري بوجهين أحدهما أنه من الاعتبار أي ترى من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به والثاني من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها ومن رواه بالقاف فمعناه تغيظها فتصير كمعقور وقيل تدهشها من قولهم عقر ذا دهش قولها ( لا تبث حديثنا تبثيثا ) هو بالباء الموحدة بين المثناة والمثلثة أي لا تشيعه
(15/219)

وتظهره بل تكتم سرنا وحديثنا كله وروي في غير مسلم تنث وهو بالنون وهو قريب من الأول أي لا تظهره قولها ( ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ) الميرة الطعام المجلوب ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به ومعناه وصفها بالأمانة قولها ( ولا تملأ بيتنا تعشيشا ) هو بالعين المهملة أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه وقيل معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش الطير وروي في غير مسلم تغشيشا بالغين المعجمة من الغش قيل في الطعام وقيل من النميمة أي لا تتحدث بنميمة قولها ( والأوطاب تمخض ) هو جمع وطب بفتح الواو واسكان الطاء وهو جمع قليل النظير وفي رواية في غير مسلم والوطاب وهو الجمع الاصلي وهي سقية اللبن التي يمخض فيها وقال أبو عبيد هو جمع وطبة قولها ( يلعبان من تحت خصرها برمانتين ) قال أبو عبيد معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها ! نتأ الكفل بها من الارض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان قال القاضي قال بعضهم المراد بالرمانتين هنا ثدياها ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين قال القاضي هذا أرجح لا سيما وقد روي من تحت صدرها ومن تحت درعها ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولا جرت العادة ايضا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال قولها ( فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا ) أما الاول فبالسين المهملة على المشهور وحكى القاضي عن بن السكيت أنه حكي فيه المهملة والمعجمة وأما الثاني فبالشين المعجمة بلا خلاف فالاول معناه سيدا شريفا وقيل سخيا والثاني هو الفرس الذي يستشري في سيره أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار وقال بن السكيت هو الفرس الفائق الخيار قولها ( وأخذ خطيا ) هو بفتح الخاء وكسرها والفتح أشهر ولم يذكر الاكثر غيره وممن حكى الكسر أبو الفتح الهمداني في كتاب الاشتقاق قالوا والخطي الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر أي ساحله عند عمان والبحرين قال أبو الفتح قيل لها
(15/220)

الخط لأنها على ساحل البحر والساحل يقال له الخط لانه فاصل بين الماء والتراب وسميت الرماح خطية لانها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه قال القاضي ولا يصح قول من قال أن الخط منبت الرماح قولها ( وأراح علي نعما ثريا ) أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم هو موضع مبيتها والنعم الابل والبقر والغنم ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الابل وادعى القاضي عياض أن أكثر أهل اللغة على أن النعم مختصة بالابل والثرى بالمثلثة وتشديد الياء الكثير من المال وغيره ومنه الثروة في المال وهي كثرته قولها ( وأعطاني من كل رائحة زوجا ) فقولها من كل رائحة أي مما يروح من الابل والبقر والغنم والعبيد وقولها زوجا أي اثنين ويحتمل أنها أرادت صنفا والزوج يقع على الصنف ومنه قوله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة قولها في الرواية الثانية وأعطاني من كل ذابحة زوجا هكذا هو في جميع النسخ ذابحة بالذال المعجمة وبالباء الموحدة أي من كل ما يجوز ذبحه من الابل والبقر والغنم وغيرها وهي فاعلة بمعنى مفعولة قوله ( ميرى أهلك ) بكسر الميم من الميرة أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم قولها في الرواية الثانية ولا تنقث ميرتنا تنقيثا فقولهاتنقث بفتح التاء واسكان النون وضم القاف وجاء قولها تنقيثا مصدرا على غير المصدر وهو جائز كقوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ومراده أن هذه الرواية وقعت بالتخفيف كما ضبطناه وفي الرواية السابقة تنقث بضم التاء وفتح النون وكسر القاف المشددة وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها ( كنت لك كأبي زرع لأم زرع ) قال العلماء هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه أنا لك كأبي زرع وكان زائدة أو للدوام كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أي كان فيما مضى وهو باق كذلك والله اعلم قال العلماء في حديث أم زرع هذا فوائد منهااستحباب حسن المعاشرة للأهل وجواز الإخبار عن الأمم الخالية وأن المشبه بالشئ لا يلزم كونه مثله في كل شئ ومنها أن كنايات الطلاق لا يقع بها طلاق إلا بالنية لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع
(15/221)

كما سبق ولم يقع على النبي صلى الله عليه و سلم طلاق بتشبيهه لكونه لم ينو الطلاق قال المازري قال بعضهم وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم قال المازري وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه و سلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهومعروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ويجعله كمن قال في العالم من يشرب أو يسرق قال المازري وفيما قاله هذا القائل احتمال قال القاضي عياض صدق القائل المذكور فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه قال وقد قال ابراهيم لا يكون غيبة مالم يسم صاحبها باسمه أو ينبه عليه بما يفهم به عنه وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعين فكيف مع الجهالة والله أعلم
(15/222)