( باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما )
 
قوله [ 2459 ] ( لما نزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل لي أنت منهم ) معناه أن بن مسعود منهم قوله [ 2460 ] ( فكنا حينا وما نرى بن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من كثرة دخولهم ولزومهم له ) أما قوله كنا فمعناه مكثنا وقوله حينا أي زمانا قال الشافعي وأصحابه ومحققوا أهل وغيرهم الحين يقع على القطعة من الدهر طالت أم قصرت وقوله ما نرى بضم النون اي ما نظن وقوله كثرة بفتح الكاف على الفصيح المشهور وبه جاء القرآن وحكى الجوهري وغيره كسرها وقوله دخولهم ولزومهم جمعهما وهما إثنان هو وأمه لأن الاثنين يجوز جمعهما
(16/14)

بالاتفاق لكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة فجمع الإثنين مجاز وقالت طائفة أقله اثنان
(16/15)

فجمعهما حقيقة قوله [ 2462 ] ( عن بن مسعود قال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم قال على قراءة من تأمرونني أن أقرأ إلى آخره ) فيه محذوف وهو مختصر مما جاء في غير هذه الرواية معناه أن بن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وبموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لاصحابه غلوا مصاحفكم أي اكتموها ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفا ثم قال على سبيل الانكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله [ 2463 ] ( ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أني أعلمهم بكتاب الله ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه ) الحلق بفتح الحاء واللام ويقال بكسر الحاء وفتح اللام قال القاضي وقالها الحربي بفتح الحاء واسكان اللام وهو جمع حلقة باسكان اللام على المشهور وحكى الجوهري وغيره فتحها أيضا واتفقوا على أن فتحها ضعيف فعلى قول الحربي هو كتمر وتمرة وفي هذا الحديث جواز ذكر الانسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة بل للفخر والاعجاب وقد كثرت
(16/16)

تزكية النفس من الاماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك أو تحصيل مصلحة للناس أو ترغيب في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك فمن المصلحة قول يوسف صلى الله عليه و سلم اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة ومن الترغيب قول بن مسعود هذا وقول سهل بن سعد ما بقي أحد أعلم بذلك مني وقول غيره على الخبير سقطت وأشباهه وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا وفيه أن الصحابة لم ينكروا قول بن مسعود أنه أعلمهم والمراد أعلمهم بكتاب الله كما صرح به فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بالسنة ولا يلزم من ذلك أيضا أن يكون أفضل منهم عند الله تعالى فقد يكون واحد أعلم من آخر بباب من العلم أو بنوع والآخر أعلم من حيث الجملة وقد يكون واحد أعلم من آخر وذاك أفضل عند الله بزيادة تقواه وخشيته وورعه وزهده وطهارة قلبه وغير ذلك ولا شك أن الخلفاء الراشدين الاربعة كل منهم أفضل من بن مسعود قوله صلى الله عليه و سلم [ 2464 ] ( خذوا القرآن من أربعة وذكر منهم بن مسعود ) قال العلماء سببه أن هؤلاء أكثر ضبطا لألفاظه وأتقن لأدائه وان كان غيرهم أفقه في معانيه منهم أو لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذه منه
(16/17)

صلى الله عليه و سلم مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم أو أنه صلى الله عليه و سلم أراد الاعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه و سلم من تقدم هؤلاء الاربعة وتمكنهم وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم
(16/18)