( باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2466 ] [ 2467 ] ( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ) اختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم روح سعد وجعل الله تعالى في العرش تمييزا حصل به هذا ولا مانع منه كما قال تعالى وأن منها لما يهبط من خشية الله وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار وقال المازري قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش تحرك لموته قال وهذا لا ينكر من جهة العقل لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون قال لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك إلا أن يقال إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته وقال آخرون المراد اهتزاز آهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول ومنه قول العرب فلان يهتز للمكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته وإنما يريدون ارتياحه اليها وإقباله عليها وقال الحربي هو كناية عن تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشئ المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون أظلمت لموت فلان الارض وقامت له القيامة وقال جماعة المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم والله اعلم قوله [ 2468 ] ( فجعل أصحابه يلمسونها ) هو بضم
(16/22)

الميم وكسرها قوله صلى الله عليه و سلم ( لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين ) المناديل جمع منديل بكسر الميم في المفرد وهو هذا الذي يحمل في اليد قال بن الأعرابي وبن فارس وغيرهما هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من واحد إلى واحد وقيل من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به قال أهل العربية يقال منه تندلت بالمنديل قال الجوهري ويقال ايضا تمندلت قال وأنكر الكسائي قال ويقال ايضا تمدلت وقال العلماء هذه اشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة وأن أدنى ثيابه فيها خير من هذه لأن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل وفيه اثبات الجنة لسعد قوله في هذا الحديث ( أهديت لرسول الله صلى الله عليه و سلم حلة حرير ) وفي الرواية الأخرى ثوب حرير [ 2469 ] وفي الآخرى جبة قال القاضي رواية الجبة بالجيم والباء لأنه
(16/23)

كان ثوبا واحدا كما صرح به في الرواية الأخرى والأكثرون يقولون الحلة لا تكون إلا ثوبين يحل أحدهما على الآخر فلا يصح الحلة هنا وأما من يقول الحلة ثوب واحد جديد قريب العهد بحلة من طيه فيصح وقد جاء في كتب السير أنها كانت قباء وأما قوله أهدى أكيدر دومة الجندل فسبق بيان حال أكيدر واختلافهم في اسلامه ونسبه وأن دومة بفتح الدال وضمها وذكرنا موضعها في كتاب المغازي وسبق بيان أحكام الحرير في كتاب اللباس والله اعلم