( باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه )
 
هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الانصاري عاش هو وآباؤه الثلاثة كل واحد مائة وعشرين سنة وعاش حسان ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام قوله [ 2485 ] ( إن حسان أنشد الشعر في المسجد بإذن النبي صلى الله عليه و سلم ) فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحا واستحبابه اذا كان
(16/45)

في ممادح الاسلام وأهله [ 2486 ] أوفي هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك وهكذا كان شعر حسان وفيه استحباب الدعاء لمن قال شعرا من هذا النوع وفيه جواز الانتصار من الكفار ويجوز ايضا من غيرهم بشرطه وروح القدس جبريل صلى الله عليه و سلم قوله [ 2487 ] ( ينافح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أي يدافع ويناضل قوله [ 2488 ] ( يشبب بأبيات له فقال حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثي من لحوم الغوافل ) اما قوله يشبب فمعناه يتغزل كذا فسره في المشارق وحصان بفتح الحاء أي محصنة عفيفة ورزان كاملة العقل ورجل رزين وقوله ما تزن أي ماتتهم يقال زننته وأزننته اذا ظننت به خيرا أو شرا
(16/46)

وغرثي بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وبالمثلثة أي جائعة ورجل غرثان وامرأة غرثى معناه لا تغتاب الناس لأنها لو اغتابتهم شبعت من لحومهم قوله [ 2489 ] ( يا رسول الله ائذن لي في أبي سفيان قال كيف بقرابتي منه قال والذي أكرمك لاسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير فقال حسان وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد ) وبعد هذا بيت لم يذكره مسلم وبذكره تتم الفائدة والمراد وهو ومن ولدت أبناء زهرة منهمو كرام ولم يقرب عجائزك المجد المراد ببنت مخزوم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب ومراده
(16/47)

بأبي سفيان هذا المذكور المهجو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو بن عم النبي صلى الله عليه و سلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمين في ذلك الوقت ثم أسلم وحسن اسلامه وقوله ولدت أبناء زهرة منهم مراده هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية وأما قوله ووالدك العبد فهو سب لابي سفيان بن الحارث ومعناه أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا هي سمية بنت موهب وموهب غلام لبني عبد مناف وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك وهومراده بقوله ولم يقرب عجائزك المجد قوله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير المراد بالخمير العجين كما قال في الرواية الاخرى ومعناه لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوه بحيث لا يبقى جزء من نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو كما أن الشعرة اذا سلت من العجين لا يبقى منها شئ فيه بخلاف ما لو سلت من شئ صلب فانهار بما انقطعت فبقيت منها فيه بقية قوله صلى الله عليه و سلم [ 2490 ] ( اهجوا قريشا فانه أشد عليها من رشق بالنبل ) هو بفتح الراء وهو الرمي بها وأما الرشق بالكسر فهو اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة وفي بعض النسخ رشق النبل وفيه جواز هجو الكفار مالم يكن أمان وأنه لا غيبة فيه وأما أمره صلى الله عليه و سلم بهجائهم وطلبه ذلك من أصحابه واحدا بعد واحد ولم يرض قول الاول والثاني حتى أمر حسان فالمقصود منه النكاية في الكفار وقد أمر الله تعالى بالجهاد في الكفار والإغلاظ عليهم وكان هذا الهجو أشد عليهم من رشق النبل فكان مندوبا لذلك مع ما فيه من كف أذاهم وبيان نقصهم والانتصار بهجائهم المسلمين قال العلماء ينبغي أن لا يبدأ المشركون بالسب والهجاء مخافة من سبهم الاسلام وأهله قال الله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون
(16/48)

من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ولتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به فيكف أذاهم ونحوه كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم قوله ( قد آن لكم ) أي حان لكم ( أن ترسلوا إلى هذا الاسد الضارب بذنبه ) قال العلماء المراد بذنبه هنا لسانه فشبهه نفسه بالاسد في انتقامه وبطشه اذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه فجعل يحركه فشبه نفسه بالاسد ولسانه بذنبه قوله ( ثم أدلع لسانه ) أي أخرجه عن الشفتين يقال دلع لسانه وأدلعه ودلع اللسان بنفسه قوله لأفرينهم بلساني فرى الأديم أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد قوله صلى الله عليه و سلم ( هجاهم حسان فشفى واشتفى ) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الاسلام والمسلمين قوله ( هجوت محمدا برا تقيا ) وفي كثير من النسخ حنيفا بدل تقيا فالبر بفتح الباء الواسع الخير وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في الاحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا
(16/49)

بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والاصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف التابع ملة ابراهيم صلى الله عليه و سلم قوله ( شيمته الوفاء ) أي خلقه قوله ( فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ) هذا مما احتج به بن قتيبة لمذهبه أن عرض الانسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف وقال غيره عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكل ما لحقه نقص يعيبه وأما قوله وقاء فبكسر الواو وبالمد وهو ما وقيت به الشئ قوله ( تثير النقع ) أي ترفع الغبار وتهيجه قوله ( من كنفي كداء ) هو بفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف وبالمد هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج وعلى هذه الرواية في هذا البيت اقواء مخالف لباقيها وفي بعض النسخ غايتها كداء وفي بعضها موعدها كداء قوله ( يبارين الأعنة ) ويروى يبارعن الأعنة قال القاضي الاول هو رواية الاكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها وهي منازعتها لها ايضا قال القاضي وفي رواية بن الحذاء يبارين الأسنة وهي الرماح قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها قوله ( مصعدات ) أي مقبلات اليكم ومتوجهات يقال أصعد في الارض اذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع قوله ( على أكتافها الأسل الظماء ) أما أكتافها فبالتاء المثناة فوق والأسل بفتح الهمزة والسين المهملة وبعدها لام هذه رواية الجمهور والأسل الرماح والظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الاعداء وفي بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال المشبهون للأسد العطاش إلى دمائكم قوله ( تظل جيادنا متمطرات ) أي تظل خيولنا مسرعات
(16/50)

يسبق بعضها بعضا قوله ( تلطمهن بالخمر النساء ) أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الخاء والميم جمع خمار أي يزلن عنهن الغبار وهذا لعزتها وكرامتها عندهم وحكى القاضي أنه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة وهو صحيح المعنى لكن الاول هو المعروف وهو الابلغ في إكرامها قوله ( وقال الله قد يسرت جندا ) أي هيأتهم وأرصدتهم قوله ( عرضتها اللقاء ) هو بضم العين أي مقصودها ومطلوبها قوله ( ليس له كفاء ) أي مماثل ولا مقاوم والله اعلم
(16/51)