( باب بر الوالدين وانهما أحق به )
 
قوله [ 2548 ] ( من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك إلى آخره ) الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى الصحبة وفيه الحث على بر الاقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الاقرب فالاقرب قال العلماء وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الام تفضل في البر على الاب وحكى القاضي عياض خلافا في ذلك فقال الجمهور بتفضيلها وقال بعضهم يكون برهما سواء قال ونسب بعضهم هذا إلى مالك والصواب الاول لصريح هذه الاحاديث في المعنى المذكور والله اعلم قال القاضي واجمعوا على أن الام والاب آكد حرمة في البر
(16/102)

ممن سواهما قال وتردد بعضهم بين الاجداد والاخوة لقوله صلى الله عليه و سلم ثم أدناك أدناك قال اصحابنا يستحب أن تقدم في البر الام ثم الاب ثم الأولاد ثم الاجداد والجدات ثم الاخوة والاخوات ثم سائر المحارم من ذوي الارحام كالاعمام والعمات والاخوال والخالات ويقدم الاقرب فالاقرب ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى باحدهما ثم بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنته واولاد الاخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالمولى من أعلى وأسفل ثم الجار ويقدم القريب البعيد الدار على الجار وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الاجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم والله اعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( نعم وأبيك لتنبأن ) قد سبق الجواب مرات عن مثل هذا وأنه لاتراد به حقيقة القسم بل هي كلمة تجري على اللسان دعامة للكلام وقيل غير ذلك قوله [ 2549 ] ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد ) وفي رواية أبايعك على الهجرة
(16/103)

والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما اذا كانا مسلمين أو باذن المسلم منهما فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه وشرطه الثوري هذا كله اذا لم يحضر الصف ويتعين القتال وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن وأجمع العلماء على الامر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر وسبق بيانه مبسوطا في كتاب الايمان
(16/104)