( باب من لعنه النبي صلى الله عليه و سلم أو سبه أو دعا عليه )
 
أو ليس هو اهلا لذلك كان له زكاة واجرا ورحمة قوله صلى الله عليه و سلم [ 2600 ] [ 2602 ] 0اللهم انما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أوسببته فاجعله له زكاة وأجرا ) وفي [ 2601 ] رواية أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة وفي [ 2601 ] [ 2602 ] رواية فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته
(16/150)

فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها اليك يوم القيامة وفي رواية انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة وفي رواية [ 2603 ] إني اشترطت على ربي فقلت انما انا بشر أرضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة هذه الاحاديث مبينة ما كان عليه صلى الله عليه و سلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وهذه الرواية المذكورة آخرا تبين المراد بباقي الروايات الطلقة وانه انما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو
(16/151)

ذلك اذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما والافقد دعا صلى الله عليه و سلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة فان قيل كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه او يسبه او يلعنه ونحو ذلك فالجواب ما اجاب به العلماء ومختصره وجهان احدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الامر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه و سلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الامر ليس اهلا لذلك وهو صلى الله عليه و سلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر والثاني أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله تربت يمينك وعقرى حلقي وفي هذا الحديث لا كبرت سنك وفي حديث معاوية لا أشبع الله بطنه ونحو ذلك لا يقصدون بشئ من ذلك حقيقة الدعاء فخاف صلى الله عليه و سلم أن يصادف شئ من ذلك اجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا وانما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الازمان ولم يكن صلى الله عليه و سلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا ادع على دوس فقال اللهم اهد دوسا وقال اللهم اغفر لقومي
(16/152)

فانهم لا يعلمون والله اعلم واما قوله صلى الله عليه و سلم ( أغضب كما يغضب البشر ) فقد يقال ظاهره أن السب ونحوه كان بسبب الغضب وجوابه ماذكره المازري قال يحتمل انه صلى الله عليه و سلم أراد آي دعاءه وسبه وجلده كان مما يخير فيه بين أمرين احدهما هذا الذي فعله والثاني زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الامرين المتخير فيهما وهوسبه أو لعنه وجلده ونحو ذلك وليس ذلك خارجا عن حكم الشرع والله اعلم ومعنى اجعلها له صلاة أي رحمة كما في الرواية الاخرى والصلاة من الله تعالى الرحمة قوله جلده قال وهي لغة أبي هريرة وانما هي جلدته معناه أن لغة النبي صلى الله عليه و سلم وهي المشهورة لعامة العرب جلدته بالتاء ولغة ابي هريرة جلده بتشديد الدال على ادغام المثلين وهو جائز قوله ( سالم مولى النصريين ) بالنون والصاد
(16/153)

المهملة سبق بيانه مرات قوله [ 2603 ] ( حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا إسحاق بن ابي طلحة ) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو إسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة نسبه إلى جده قوله ( كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس ) فقوله وهي أم أنس يعني أم سليم هي أم أنس قوله فقال لليتيمة أنت هيه ) هو بفتح الياء واسكان الهاء وهي هاء السكت قولها ( لا يكبرسني أو قالت قرني ) بفتح القاف وهو نظيرها في العمر قال القاضي معناه لا يطول عمرها لانه اذا طال عمره طال عمر قرنه وهذا الذي قاله فيه نظر لانه لا يلزم من طول عمر أحد القرنين طول عمر الآخر فقد يكون سنهما واحد ويموت احدهما قبل الآخر واما قوله صلى الله عليه و سلم لها لاكبر سنك فلم يرد به حقيقة الدعاء بل هو
(16/154)

جار على ما قدمناه في الفاظ هذا الباب قوله تلوث خمارها ) هو بالمثلثة في آخره اي تديره على رأسها قوله ( عن ابي حمزة القصاب عن بن عباس ) ابو حمزة هذا بالحاء والزاي اسمه عمران بن ابي عطاء الأسدي الواسطي القصاب بياع القصب قالوا وليس له عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم غير هذا الحديث وله عن بن عباس من قوله أنه يكره مشاركة المسلم اليهودي وكل ما في الصحيحين ابو جمرة عن بن عباس فهو بالجيم والراء وهو نصر بن عمران الضبعي إلا هذا القصاب فله في مسلم هذا الحديث وحده لا ذكر له في البخاري قوله [ 2604 ] ( عن بن عباس قال كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فتواريت خلف باب فجاء فحطأني حطأة وقال اذهب ادع لي معاوية ) وفسر الراوي أي قفدني أما حطأني فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها همزة
(16/155)

وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة وقوله حطأة بفتح الحاء واسكان الطاء بعدها همزة وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين وانما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسا واما دعاؤه علي معاوية أن لا يشبع حين تأخر ففيه الجوابان السابقان أحدهما أنه جرى على اللسان بلا قصد والثاني أنه عقوبة له لتأخره وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب وجعله غيره من مناقب معاويةلانه في الحقيقة يصير دعاء له وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل فيه من دعاء انسان ونحوه من حمل هدية وطلب حاجة وأشباهه وفيه جواز ارسال صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا ولا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لان هذا قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين والله اعلم