( باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه
 
قوله صلي الله عليه وسلم [ 2605 ] ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا أو ينمي خيرا ) هذا الحديث مبين لما ذكرناه في الباب قبله ومعناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس بل هذا محسن قوله ( قال بن شهاب ولم أسمع يرخص في شئ مما يقول الناس كذب الا في ثلاث )
(16/157)

الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ) قال القاضي لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ماهو فقالت طائفة هو على اطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول ابراهيم صلى الله عليه و سلم بل فعله كبيرهم وإني سقيم وقوله إنها اختي وقول منادي يوسف صلى الله عليه و سلم ايتها العير انكم لسارقون قالوا ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في انه لا يعلم أين هو وقال آخرون منهم الطبري لا يجوز الكذب في شئ أصلا قالوا وما جاء من الاباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن اليها ويكسوها كذا وينوي ان قدر الله ذلك وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه واذا سعى في الاصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى وكذا في الحرب بان يقول لعدوه مات امامكم الاعظم وينوي امامهم في الازمان الماضية أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه هذا من المعاريض المباحة فكل هذا جائز وتأولوا قصة ابراهيم ويوسف وماجاء من هذا على المعاريض والله اعلم وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في اظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها أو أخذ ماليس له أو لها فهو حرام باجماع المسلمين والله اعلم
(16/158)