( باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2608 ] ( ما تعدون الرقوب فيكم قال قلنا الذي لا يولد له قال ليس ذلك بالرقوب ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئا قال فما تعدون الصرعة فيكم قلنا الذي لا يصرعه
(16/161)

الرجال قال ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب ) أما الرقوب فبفتح الراء وتخفيف القاف والصرعة بضم الصاد وفتح الراء واصله في كلام العرب الذي يصرع الناس كثيرا واصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد ومعنى الحديث انكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعا بل هو من لم يمت أحد من اولاده في حياته فيحتسبه يكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطا وسلفا وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعا بل هو من يملك نفسه عند الغضب فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الاول وفي الحديث فضل موت الاولاد والصبر عليهم ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحابنا وسبقت المسألة في النكاح وفيه كظم الغيظ وامساك النفس عند الغضب
(16/162)

عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة قوله صلى الله عليه و سلم في الذي اشتد غضبه [ 2610 ] ( إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ولهذا يخرج به الانسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم الذي قال له أوصني لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة الاعراب والله اعلم
(16/163)