( باب حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2652 ] ( احتج آدم وموسى ) قال ابو الحسن القابسي التقت أرواحهما في السماء فوقع الحجاج بينهما قال القاضي عياض ويحتمل انه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما وقد ثبت في حديث الاسراء أن النبي صلى الله عليه و سلم اجتمع بالانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم قال فلا يبعد ان الله تعالى أحياهم كما جاء في الشهداء قال ويحتمل ان ذلك جرى في حياة موسى سأل الله تعالى أن يريه آدم فحاجه قوله صلى الله عليه و سلم ( فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة ) وفي رواية أنت آدم الذي أغويت الناس واخرجتهم من الجنة وفي رواية أهبطت الناس بخطيئتك إلى الارض معنى خيبتنا أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران وقد خاب يخيب ويخوب ومعناه كنت سبب خيبتنا واغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها اخراجك من الجنة ثم تعرضنا نحن لاغواء الشياطين والغى الانهماك في الشر وفيه جواز اطلاق الشئ على سببه وفيه ذكر الجنة وهي موجودة من قبل آدم هذا مذهب أهل الحق قوله ( اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ) في اليد هنا المذهبان السابقان في كتاب الايمان ومواضع في احاديث الصفات أحدهما الايمان بها ولا يتعرض لتأويلها مع ان ظاهرها غير مراد والثاني تأويلها على القدرة ومعنى اصطفاك أي اختصك وآثرك بذلك قوله ( أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن )
(16/200)

يخلقني باربعين سنة ) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة والواحها أي كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة وقد صرح بهذا في الرواية التي بعد هذه فقال بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين سنة قال أتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي ان اعمله قبل ان يخلقني بأربعين سنة فهذه الرواية مصرحة ببيان المراد بالتقدير ولا يجوز ان يراد به حقيقة القدر فان علم الله تعالى وما قدره على عباده واراد من خلقه أزلي لا أول له ولم يزل سبحانه مريدا لما أراده من خلقه من طاعة ومعصية وخير وشر قوله صلى الله عليه و سلم ( فحج آدم موسى ) هكذا الرواية في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشراح
(16/201)

واهل الغريب فحج آدم موسى برفع آدم وهو فاعل أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها ومعنى كلام آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر علي فلابد من وقوعه ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك ولان اللوم على الذنب شرعي لا عقلي واذ تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجا بالشرع فان قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وان كان صادقا فيما قاله فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر مالم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن
(16/202)

في القول المذكور له فائدة بل فيه ايذاء وتخجيل والله اعلم قوله صلى الله وسلم [ 2653 ] ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء ) قال العلماء المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ او غيره لا أصل التقدير فان ذلك أزلي لا أول له وقوله وعرشه على الماء أي قبل خلق السماوات والارض والله اعلم
(16/203)