( باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها )
 
لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر قوله [ 2663 ] ( قالت آم حبيبة اللهم امتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه و سلم وبأبي ابي سفيان وبأخي
(16/212)

معاوية فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد سألت الله عزوجل لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة ولن يعجل شيئا قبل حله أو يؤخر شيئا عن حله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل ) أما حله فضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها في المواضع الخمسة من هذه الروايات وذكر القاضي أن جميع الرواة على الفتح ومراده رواة بلادهم وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر وهما لغتان ومعناه وجوبه وحينه يقال حل الأجل يحل حلا وحلا وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك واما ما ورد في حديث صلة الرحم تزيد في العمر ونظائره فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا قال المازري هنا قد تقرر بالدلائل القطعية أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ماهو عليه فإذا علم الله تعالى أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها او بعدها لئلا ينقلب العلم جهلا فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت او غيره ممن وكله الله بقبض الارواح وأمره فيها بآجال ممدودة فانه بعد أن يأمره بذلك او يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد على حسب ما سبق به علمه في الأزل وهو معنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعلى ماذكرناه يحمل قوله تعالى ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده واعلم أن مذهب اهل الحق أن المقتول مات بأجله وقالت المعتزلة قطع أجله والله اعلم فإن قيل ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل فالجواب أن الجميع مفروع منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب
(16/213)

النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وكمالا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالا على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه والله اعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك ) أي قبل مسخ بني اسرائيل فدل على أنها ليست من المسخ وجاء كانوا بضمير العقلاء مجازا لكونه جرى في الكلام ما يقتضي مشاركتها للعقلاء كما في قوله تعالى رأيتهم لي ساجدين وكل في فلك يسبحون
(16/214)