( باب الايمان للقدر والاذعان له )
 
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2664 ] ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف اكثر إقداما على العدو في الجهاد وأسرع خروجا إليه وذهابا في طلبه وأشد عزيمة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الاذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والاذكار وسائر العبادات وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك واما قوله صلى الله عليه و سلم وفي كل خير فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الايمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات قوله صلى الله عليه و سلم ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) أما احرص فبكسر الراء وتعجز بكسر الجيم وحكي فتحهما جميعا ومعناه احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الاعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الاعانة قوله صلى الله عليه و سلم ( وإن أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل
(16/215)

الشيطان ) قال القاضي عياض قال بعض العلماء هذا النهي انما هو لمن قاله معتقدا ذلك حتما وانه لو فعل ذلك لم تصبه قطعا فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى بانه لن يصيبه إلا ماشاء الله فليس من هذا واستدل بقول ابي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا قال القاضي وهذا لا حجة فيه لانه انما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه قال وكذا جميع ماذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو كحديث لولا حدثان عهد قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد ابراهيم ولوكنت راجما بغير بينة لرجمت هذه ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وشبه ذلك فكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر فلا كراهة فيه لانه انما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته فاما ما ذهب فليس في قدرته قال القاضي فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه ويدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم فان لو تفتح عمل الشيطان اي يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان هذا كلام القاضي قلت وقد جاء من استعمال لو في الماضي قوله صلى الله عليه و سلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وغير ذلك فالظاهر أن النهي انما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم فأما من قاله تأسفا على مافات من طاعة الله تعالى أو ماهو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الاحاديث والله اعلم