( كتاب التوبة )
 
أصل التوبة فى اللغة الرجوع يقال تاب وثاب بالمثلثة وآب بمعنى رجع والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن الذنب وقد سبق فى كتاب الايمان أن لها ثلاثة أركان الاقلاع والندم على فعل تلك المعصية والعزم على أن لايعود اليها أبدا فان كانت المعصية لحق آدمى فلها ركن رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق وأصلها الندم وهو ركنها الاعظم واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصى واجبة وأنها واجبة على الفور لايجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أوكبيرة والتوبة من مهمات الاسلام وقواعده المتأكدة ووجوبها عند أهل السنة بالشرع وعند المعتزلة بالعقل ولا يجب على الله قبولها اذا وجدت بشروطها عقلا عند أهل السنة لكنه سبحانه وتعالى يقبلها كرما وفضلا وعرفنا قبولها بالشرع والاجماع خلافا لهم واذا تاب من ذنب ثم ذكره هل يجب تجديد الندم فيه خلاف لأصحابنا وغيرهم من أهل السنة قال بن الانبارى يجب وقال امام الحرمين لا يجب وتصح التوبة من ذنب وان كان مصرا على ذنب آخر واذا تاب توبة
(17/59)

صحيحة بشروطها ثم عاود ذلك الذنب كتب عليه ذلك الذنب الثانى ولم تبطل توبته هذا مذهب أهل السنة فى المسئلتين وخالفت المعتزلة فيهما قال أصحابنا ولو تكررت التوبة ومعاودة الذنب صحت ثم توبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها وما سواها من أنواع التوبة هل قبولها مقطوع به أم مظنون فيه خلاف لاهل السنة واختار امام الحرمين أنه مظنون وهو الأصح والله أعلم [ 2675 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( قال الله تعالى أنا تعالى عند ظن عبدى بى وأنا معه حيث يذكرنى ومن تقرب إلى شبرا ) الخ هذا القدر من الحديث سبق شرحه واضحا فى أول كتاب الذكر ووقع فى النسخ هنا حيث يذكرنى بالثاء المثلثة ووقع فى الأحاديث السابقة هناك حين بالنون وكلاهما من رواية أبى هريرة وبالنون هو المشهور وكلاهما صحيح ظاهر المعنى قوله صلى الله عليه و سلم ( لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ) قال العلماء فرح الله تعالى هو رضاه وقال المازرى الفرح ينقسم على وجوه منها السرور والسرور يقاربه الرضا بالمسرور به قال
(17/60)

فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة فعبر عن الرضا بالفرح تأكيدا لمعنى الرضا فى نفس السامع ومبالغة فى تقريره [ 2744 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( فى أرض دوية مهلكة ) أما دوية فاتفق العلماء على أنها بفتح الدال وتشديد الواو والياء جميعا وذكر مسلم فى الرواية التى بعد هذه رواية أبى بكر بن أبى شيبة أرض داوية بزيادة الف وهى بتشديد الياء أيضا وكلاهما صحيح قال أهل اللغة الدوية الأرض القفر والفلاة الخالية قال الخليل هي المفازة قالوا ويقال دوية وداوية فأما الدوية فمنسوب إلى الدو بتشديد الواو وهى البرية التى لانبات بها وأما الداوية فهي على ابدال احدى الواوين الفا كما قيل فى النسب إلى طى طائى وأما المهلكة فهي بفتح الميم وبفتح اللام وكسرها وهى موضع خوف الهلاك ويقال لها مفازة قيل أنه من قولهم فوز الرجل اذا هلك وقيل على سبيل التفاؤل بفوزه ونجاته منها كما يقال للديغ سليم [ 2744 ] قوله ( دخلت على عبد الله أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ) ثم ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يذكر حديث عبد الله عن نفسه وقد ذكر البخارى فى صحيحه والترمذى وغيرهما وهو قوله المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى
(17/61)

ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قوله فى رواية أبى بكر بن أبى شيبة ( من رجل بداوية ) هكذا هو فى النسخ من رجل بالنون وهو الصواب قال القاضي ووقع فى بعضها مر رجل بالراء وهو تصحيف لأن مقصود مسلم أن يبين الخلاف فى دوية وداوية وأما لفظة من فمتفق عليها فى الروايتين ولا معنى للراء هنا [ 2745 ] قوله ( حمل زاده ومزاده ) هو بفتح الميم قال القاضي كأنه اسم جنس للمزادة وهى القربة العظيمة سميت بذلك لأنه يزاد فيها من جلدآخر قوله ( وانسل بعيره ) أى ذهب فى خفية قوله ( فسعى شرفا فلم ير شيئا ) قال القاضي يحتمل أنه أراد بالشرف هنا الطلق والغلوة كما في الحديث الآخر فاستنت شرفا أو شرفين قال ويحتمل أن المراد هنا الشرف من الأرض لينظر منه هل يراها قال وهذا أظهر [ 2746 ] قوله صلى الله عليه و سلم
(17/62)

( مر بجذل شجرة ) هو بكسر الجيم وفتحها وبالذال المعجمة وهو أصل الشجرة القائم قوله ( قلنا شديدا ) أى نراه فرحا شديدا أو يفرح فرحا شديدا قوله ( حدثنا يحيى بن يحيى وجعفر بن حميد ) هكذا صوابه بن حميد وقد صحف فى بعض النسخ قال الحافظ وليس لمسلم فى صحيحه عن جعفر هذا غير هذا الحديث قوله صلى الله عليه و سلم فى حديث أنس من رواية هداب بن خالد ( لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم اذا استيقظ على بعيره قد أضله بأرض فلاة هكذا هو في جميع النسخ إذا استيقظ على بعيره وكذا قال القاضي عياض أنه اتفقت عليه رواة صحيح مسلم قال قال بعضهم وهو وهم وصوابه اذا سقط على بعيره أى وقع عليه وصادفه من غير
(17/63)

قصد قال القاضي وقد جاء في الحديث الاخر عن بن مسعود قال فأرجع إلى المكان الذى كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وفى كتاب البخارى فنام نومة فرفع رأسه فاذا راحلته عنده قال القاضي وهذا يصحح رواية استيقظ قال ولكن وجه الكلام وسياقه يدل على سقط كما رواه البخارى قوله ( أضله بأرض فلاة ) أى فقده