( باب قبول توبة القاتل وان كثرهم قتله )
 
[ 2766 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( إن رجلاقتل تسعا وتسعين نفسا ثم قتل تمام المائة ثم أفتاه العالم بأن له توبة ) هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمدا ولم يخالف أحد منهم إلا بن عباس وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة لاأنه يعتقد بطلان توبته وهذا الحديث ظاهر فيه وهو وان كان شرعا لمن قبلنا وفى الاحتجاج به خلاف فليس موضع الخلاف وانما موضعه اذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره فان ورد كان شرعا لنا
(17/82)

بلاشك وهذا قد ورد شرعنا به وهو قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون إلى قوله إلامن تاب الآية وأما قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فالصواب فى معناها أن جزاءه جهنم وقد يجازى به وقد يجازى بغيره وقد لايجازى بل يعفى عنه فان قتل عمدا مستحلا له بغير حق ولاتأويل فهو كافر مرتد يخلد به فى جهنم بالاجماع وأن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالدا فيها لكن بفضل الله تعالى ثم أخبر أنه لايخلد من مات موحدا فيها فلا يخلد هذا ولكن قد يعفى عنه فلايدخل النار أصلا وقد لايعفى عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد فى النار فهذا هو الصواب فى معنى الآية ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء وليس فى الآية إخبار بأنه يخلد فى جهنم وانما فيها أنها جزاؤه أى يستحق أن يجازى بذلك وقيل ان المراد من قتل مستحلا وقيل وردت الآية فى رجل بعينه وقيل المراد بالخلود طول المدة لاالدوام وقيل معناه هذا جزاؤه أن جازاه وهذه الأقوال كلها ضعيفة أوفاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية وأما هذا القول فهو شائع على ألسنة كثير من الناس وهو فاسد لأنه يقتضى أنه اذا عفى عنه خرج عن كونها كانت جزاء وهى جزاء له لكن ترك الله مجازاته عفوا عنه وكرما فالصواب ما قدمناه والله أعلم قوله ( انطلق إلى أرض كذا وكذا فان فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولاترجع إلى أرضك فأنها أرض سوء ) قال العلماء فى هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التى أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدى بهم وينتفع بصحبتهم وتتأكد بذلك توبته قوله ( فانطلق حتى اذا نصف الطريق أتاه الموت ) هو
(17/83)

بتخفيف الصاد أى بلغ نصفها قوله ( نأى بصدره ) أى نهض ويجوز تقديم الألف على الهمزة وعكسه وسبق فى حديث أصحاب الغار وأما قياس الملائكة ما بين القريتين وحكم الملك الذى جعلوه بينهم بذلك فهذا محمول على أن الله تعالى أمرهم عند اشتباه أمره عليهم واختلافهم فيه أن يحكموا رجلا ممن يمر بهم فمر الملك فى صورة رجل فحكم بذلك
(17/84)