( كتاب صفة القيامة والجنة والنار )
 
[ 2785 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لايزن عند الله جناح بعوضة ) أى لايعدله فى القدر والمنزلة أى لاقدر له وفيه ذم السمن والحبر بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح وهو العالم [ 2786 ] قوله ( إن الله يمسك السماوات على أصبع والارضين على أصبع إلى قوله ثم يهزهن ) هذا من أحاديث الصفات وقد سبق فيها المذهبان التأويل والامساك عنه مع الايمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار أى خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل والناس يذكرون الأصبع فى مثل هذا للمبالغة والاحتقار فيقول أحدهم بأصبعى أقتل زيدا أى
(17/129)

لا كلفة على في قتله وقيل يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة قوله ( فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) ظاهر الحديث أن النبى صلى الله عليه و سلم صدق الحبر فى قوله إن الله تعالى يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الآية التى فيها الاشارة إلى نحو ما يقول قال القاضي وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه صلى الله عليه و سلم وتعجبه وتلاوته للآية تصديقا للحبر بل هو رد لقوله وانكار وتعجب من سوء اعتقاده فان مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك وقوله تصديقا له
(17/130)

إنما هو من كلام الراوى على ما فهم والأول أظهر [ 2788 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( يطوى الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يطوى الأرضين بشماله ) وفى رواية أن بن مقسم نظر إلى بن عمر كيف يحكى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يأخذ الله سمواته وارضيه بيديه ويقول أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه قال
(17/131)

العلماءالمراد بقوله يقبض أصابعه ويبسطها النبى صلى الله عليه و سلم ولهذا قال ان بن مقسم نظر إلى بن عمر كيف يحكى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة وكنى عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأوكد فى النفوس وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال لأنا نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه ولأن اليمين فى حقنا يقوى لما لا يقوى له الشمال ومعلوم أن السماوات أعظم من الأرض فأضافها إلى اليمين والأرضين إلى الشمال ليظهر التقريب فى الاستعارة وان كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ولا أثقل من شيء هذا مختصر كلام المازرى فى هذا قال القاضي وفى هذا الحديث ثلاثة ألفاظ يقبض ويطوى ويأخذ كله بمعنى الجمع لأن السماوات مبسوطه والأرضين مدحوة وممدودة ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والازالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ورفعها وتبديلها بغيرها قال وقبض النبى صلى الله عليه و سلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط والمقبوض وهو السماوات والارضون لا اشارة إلى القبض والبسط الذى هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التى ليست بجارحة وقوله فى المنبر ( يتحرك من أسفل شيء منه ) أى من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى ويحتمل
(17/132)

أن تحركه بحركة النبى صلى الله عليه و سلم بهذه الاشارة قال القاضي ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه و سلم فيما ورد فى هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفى علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى وحملنا لفظه على ما احتمل فى لسان العرب الذى خوطبنا به ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذى لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق قوله ( والشجر والثرى على اصبع ) الثرى هو التراب الندى قوله ( بدت نواجذه ) بالذال المعجمة أى أنيابه