( باب مثل المؤمن مثل النخلة )
 
[ 2811 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ان من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هي فوقع الناس فى شجرة البوادى قال عبد الله بن عمر ووقع فى نفسى أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله فقال هي النخلة قال فذكرت ذلك لعمر فقال لان تكون قلت هي النخلة أحب إلى من كذا وكذا ) أما قوله لأن تكون فهو بفتح اللام ووقع فى بعض
(17/153)

النسخ البوادى وفي بعضها البواد بحذف الياء وهى لغة وفى هذا الحديث فوائد منها استحباب القاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغبهم فى الفكر والاعتناء وفيه ضرب الأمثال والأشباه وفيه توقير الكبار كما فعل بن عمر لكن اذا لم يعرف الكبار المسألة فينبغى للصغير الذى يعرفها أن يقولها وفيه سرور الانسان بنجابة ولده وحسن فهمه وقول عمر رضى الله عنه لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلى أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو لابنه ويعلم حسن فهمه ونجابته وفيه فضل النخل قال العلماء وشبه النخلة بالمسلم فى كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فانه من حين يطلع ثمرها لايزال يؤكل منه حتى ييبس وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأوانى وغير ذلك ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للابل ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك فهذا هو الصحيح فى وجه التشبيه قيل وجه الشبه أنه اذا قطع رأسها ماتت بخلاف باقى الشجر وقيل لأنها لاتحمل حتى تلقح والله أعلم قوله ( فوقع الناس فى شجر البوادى ) أى ذهبت أفكارهم إلى أشجار البوادى وكان كل انسان يفسرها بنوع من أنواع شجر البوادى وذهلوا عن النخلة قوله ( قال بن عمر وألقى فى نفسى أو روعى أنها النخلة فجعلت أريد أن
(17/154)

أقولها فاذا اسنان القوم فأهاب أن أتكلم ) الروع هنا بضم الراء وهو النفس والقلب والخلد وأسنان القوم يعنى كبارهم وشيوخهم قوله ( فأتى بجمار ) هو بضم الجيم وتشديد الميم وهو الذى يؤكل من قلب النخل يكون لينا قوله ( حدثنا سيف قال سمعت مجاهدا ( هكذا صوابه سيف قال القاضي ووقع فى نسخة سفيان وهو غلط بل هو سيف قال البخارى وكيع يقول هو سيف أبو سليمان وبن المبارك يقول سيف بن أبى سليمان ويحيى بن القطان يقول سيف بن سليمان قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يتحات ورقها ) أى لا يتناثر ويتساقط قوله لا يتحات ورقها قال ابراهيم لعل مسلما قال وتؤتى وكذا وجدت عند غيرى أيضا ولاتؤتى أكلها كل حين معنى هذا أنه وقع فى رواية ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم ورواية غيره أيضا من مسلم لايتحات ورقها ولاتؤتى أكلها كل حين واستشكل ابراهيم بن سفيان هذا لقوله ولاتؤتى أكلها خلاف باقى الروايات فقال لعل مسلما رواه وتؤتى باسقاط لاوأكون أنا وغيرى غلطنا فى اثبات لاقال القاضي وغيره من الأئمة وليس
(17/155)

هو بغلط كما توهمه ابراهيم بل الذى فى مسلم صحيح باثبات لاوكذا رواه البخارى باثبات لاووجهه أن لفظة لاليست متعلقة بتؤتى بل متعلقة بمحذوف تقديره لايتحات ورقها ولامكرر أى لايصيبها كذا ولاكذا لكن لم يذكر الراوي تلك الاشياء المعطوفة ثم ابتدأ فقال تؤتى أكلها كل حين