( كتاب الزهد )
 
[ 2956 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع فى الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فاذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان وأما الكافر فانما له من ذلك ما حصل فى الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فاذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد [ 2957 ] قوله ( والناس كنفته ) وفى بعض النسخ كنفتيه معنى الأول جانبه والثانى جانبيه قوله ( جدى أسك ) أى صغير الأذنين قوله ( بن عرعرة الساعى ) هو بالسين المهملة وعرعرة
(18/93)

بعينين مهملتين مفتوحتين [ 2959 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( أو أعطى فاقتنى ) هكذا هو فى معظم النسخ ولمعظم الرواة فاقتنى بالتاء ومعناها ادخره لآخرته أى ادخر ثوابه وفى بعضها فأقنى بحذف التاء
(18/94)

أى أرضى [ 2962 ] قوله صلى الله عليه و سلم إذا فتحت عليكم فارس والروم أى قوم أنتم قال عبد الرحمن بن عوف نقول كما أمرنا الله ) معناه نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله قوله صلى الله عليه و سلم ( تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون فى مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ) قال العلماء التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك اياه وهو أول درجات الحسد وأما الحسد فهو تمنى زوال النعمة عن صاحبها والتدابر التقاطع وقد بقى مع التدابر شيء من المودة أو لايكون مودة لاوبغض
(18/96)

وأما التباغض فهو بعد هذا ولهذا رتبت فى الحديث ثم ينطلقون فى مساكين المهاجرين أى ضعفائهم فيجعلون بعضهم أمراء على بعض هكذا فسروه قوله صلى الله عليه و سلم ( انظرواالى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم ) معنى أجدر أحق وتزدروا تحقروا قال بن جرير وغيره هذا حديث جامع لأنواع من الخير لأن الانسان اذا رأى من فضل عليه فى الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه هذا هو الموجود فى غالب الناس وأما اذا نظر فى أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل فيه الخير قوله صلى
(18/97)

[ 2964 ] الله عليه وسلم ( أراد الله أن يبتليهم ) وفى بعض النسخ يبليهم باسقاط المثناة فوق ومعناهما الاختبار والناقة العشراء الحامل القريبة الولادة قوله صلى الله عليه و سلم ( شاة والدا ) أى وضعت ولدها وهو معها قوله صلى الله عليه و سلم ( فأنتج هذان وولد هذا ) هكذا الرواية فانتج رباعى وهى لغة قليلة الاستعمال والمشهور نتج ثلاثى وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه تولى الولادة وهى النتج والانتاج ومعنى ولد هذا بتشديد اللام معنى أنتج والناتج للأبل والمولد
(18/98)

للغنم وغيرها هو كالقابلة للنساء قوله ( انقطعت بى الحبال ) هو بالحاء وهى الأسباب وقيل الطرق وفى بعض نسخ البخارى الجبال بالجيم وروى الحيل جمع حيلة وكل صحيح قوله ( ورثت هذا المال كابرا عن كابر ) أى ورثته عن آبائى الذين ورثوه من أجدادى الذين ورثوه من آبائهم كبيرا عن كبير فى العز والشرف والثروة قوله ( فوالله لاأجهدك اليوم شيئا أخذته لله تعالى ) هكذا هو فى رواية الجمهور أجهدك بالجيم والهاء وفى رواية بن ماهان أحمدك بالحاء والميم ووقع فى البخارى بالوجهين لكن الأشهر فى مسلم بالجيم وفى البخارى بالحاء ومعنى الجيم
(18/99)

لا أشق عليك برد شيء تأخذه أو تطلبه من مالى والجهد المشقة ومعناه بالحاء لاأحمدك بترك شيء تحتاج إليه أو تريده فتكون لفظة الترك محذوفة مرادة كما قال الشاعر ليس على طول الحياة ندم أى فوات طول الحياة وفى هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء واكرامهم وتبليغهم ما يطلبون مما يمكن والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم وفيه التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها والله أعلم [ 2965 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ان الله يحب العبد التقى الغنى الخفى ) المراد بالغنى غنى النفس هذا هو الغنى المحبوب لقوله صلى الله عليه و سلم ولكن الغنى غنى النفس وأشار القاضي إلى أن المراد الغنى بالمال وأما الخفى فبالخاء المعجمة هذا هو الموجود فى النسخ والمعروف فى الروايات وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالمهملة فمعناه بالمعجمة الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه ومعناه بالمهملة الوصول للرحم اللطيف بهم
(18/100)

وبغيرهم من الضعفاء والصحيح بالمعجمة وفى هذا الحديث حجة لمن يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط وفى المسألة خلاف سبق بيانه مرات ومن قال بالتفضيل للاختلاط قد يتأول هذا على الاعتزال وقت الفتنة ونحوها [ 2966 ] قوله ( والله أنى لأول رجل من العرب رمى بسهم فى سبيل الله تعالى ) فيه منقبة ظاهرة له وجواز مدح الانسان نفسه عند الحاجة وقد سبقت نظائره وشرحها قوله ( ما لنا طعام نأكله الاورق الحبلة وهذا السمر ) الحبلة بضم الحاء المهملة واسكان الموحدة والسمر بفتح السين وضم الميم وهما نوعان من شجر البادية كذا قاله أبو عبيد وآخرون وقيل الحبلة ثمر العضاه وهذا يظهر على رواية البخارى الاالحبلة وورق السمر وفى هذا بيان ما كانوا عليه من الزهد فى الدنيا والتقلل منها والصبر فى طاعة الله تعالى على المشاق الشديدة قوله ( ثم أصبحت بنو أسد تعزرنى على الدين ) قالوا المراد ببنى أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قال الهروى معنى تعزرنى توقفنى والتعزير التوقيف على الاحكام والفرائض وقال بن جرير معناه تقومنى وتعلمنى ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه
(18/101)

بالتأديب وقال الجرمي معناه اللوم والعتب وقيل معناه توبخنى على التقصير فيه [ 2967 ] قوله ( أن الدنيا قدآذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الاصبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها ) أما آذنت فبهمزة ممدودة وفتح الذال أى أعلمت والصرم بالضم أى الانقطاع والذهاب وقوله حذاء بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة وألف ممدودة أي مسرعة الانقطاع والصبابة بضم الصاد البقية اليسيرة من الشراب تبقى فى أسفل الإناء وقوله يتصابها أى يشربها وقعر الشيء أسفله والكظيظ الممتلئ قوله ( قرحت أشداقنا ) أى صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذى نأكله وحرارته قوله ( سعد بن مالك ) هو سعد بن أبىوقاص رضى الله عنه
(18/102)

[ 2968 ] قوله ( هل نرى ربنا ) قد سبق شرح الرواية وما يتعلق بها فى كتاب الايمان قوله صلى الله عليه و سلم ( فيقول أى فل ) هو بضم الفاء واسكان اللام ومعناه يافلان وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل هي لغة بمعنى فلان حكاها القاضي ومعنى أسودك أجعلك سيدا على غيرك قوله تعالى ( وأذرك ترأس وتربع ) أما ترأس فبفتح التاء واسكان الراء وبعدها همزة مفتوحة ومعناه رئيس القوم وكبيرهم وأما تربع فبفتح التاء والباء الموحدة هكذا رواه الجمهور وفى رواية بن ماهان
(18/103)

ترتع بمثناة فوق بعد الراء ومعناه بالموحدة تأخذ المرباع الذى كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها يقال ربعتهم أى أخذت ربع أموالهم ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا وقال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته عندى ان معناه تركتك مستريحا لاتحتاج إلى مشقة وتعب من قولهم أربع على نفسك أى ارفق بها ومعناه بالمثناة تتنعم وقيل تأكل وقيل تلهو وقيل تعيش فى سعة قوله تعالى ( فانى أنساك كما نسيتنى ) أى أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتى قوله ( فيقول ها هنا اذا ) معناه
(18/104)

قف ها هنا حتى يشهد عليك جوارحك اذقد صرت منكرا [ 2969 ] وقوله صلى الله عليه و سلم ( فيقال لاركانه ) أى لجوارحه وقوله ( كنت أناضل ) أى أدافع وأجادل [ 1055 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) قيل كفايتهم من غير اسراف وهو بمعنى قوله فى الرواية الاخرى كفافا
(18/105)

وقيل هو سد الرمق [ 2972 ] قوله ( حدثنا عمر الناقد حدثنا عبدة بن سليمان ويحيى بن يمان حدثنا هشام ) معنى هذا الكلام أن عمرا الناقد يروى هذا الحديث عن عبدة ويحيى بن يمان كلاهما
(18/106)

عن هشام [ 2973 ] قوله ( شطر شعير فى رف ) الرف بفتح الراء معروف والشطر هنا معناه شيء من شعير كذا فسره الترمذى وقال القاضي قال بن أبي حازم معناه نصف وسق قال القاضي وفى هذا الحديث أن البركة أكثر ما تكون فى المجهولات والمبهمات وأما الحديث الآخر كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه فقالوا المراد أن يكيله منه لأجل اخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقى مجهولا ويكيل ما يخرجه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل [ 2972 ] قوله ( فما كان يعيشكم
(18/107)

هو بفتح العين وكسر الياء المشددة وفى بعض النسخ المعتمدة فما كان يقيتكم [ 2975 ] قولها ( حين شبع الناس من التمر والماء ) المراد حين شبعوا من التمر وإلا فما زالوا شباعا من الماء قوله
(18/108)

( ما تجد من الدقل ) هو بفتح الدال والقاف وهو تمر ردىء قوله صلى الله عليه و سلم [ 2977 ]
(18/109)

( أربعين خريفا ) أى أربعين سنة