تفسيرُ الإنسان الرُّؤيا لنفسه مع جهله بالتَّعبير وأخذه بظاهر الرُّؤيا
 
تفسيرُ الإنسان الرُّؤيا لنفسه مع جهله بالتَّعبير وأخذه بظاهر الرُّؤيا:
قد يرى الإنسانُ في منامه رؤيا فيتبادَر إلى ذهنه أنَّها تدلُّ على كذا وكذا، فيفزع أو يطمئنّ لما وقع في نفسه من ذلك التَّفسير، وربَّما جزم به وبنى عليه بعضَ الأحكام، ولو كان عالماً بتعبير الرُّؤَى لوجدت له عذرًا؛ لكنَّه لا يعرف في تأويلها شيئاً سوى الأوهام والتَّخَرُّصات التي أصبحت عنده حقائقَ لا تَقبل الجدل؛ وهنا يتبيَّن لك أهميَّةُ عرضها على العالم بتأويل الرُّؤَى؛ حتى لا يوقعك الشَّيطانُ في شباك الأوهام والأحزان؛ فكم من رؤيا تسيطر على تفكيرك ويضطرب لها قلبُك وإذا بها خيرٌ لك في دينك أو دنياك ، وهنا يظهر لك أهميَّةُ هذا العلم ومعرفته.
وقد ذكر صاحب كتاب (تُحَف من ذخائر السَّلَف) أمثلةً على أنَّ الإنسانَ لا ينبغي له أن يتسرَّع في الأخذ بظاهر الرُّؤيا مطلَقًا؛ فكان ممَّا قال:
(حُكي أنَّ رجلاً من القرَّاء أتى في منامه كأنَّه يقطع ورقةً من المصحف فيضعها على النَّار فيسكن لهبها، فرفعها إلى بعض المعبرين فقال: ستكون فتنةً من جهة السُّلطان وتسكن بقراءتك القرآن).
فانظر كيف أنَّ ظاهرَ هذه الرُّؤيا مخيفٌ وموحشٌ وتعبيرُها ضدُّ ذلك؛ لو خُضْنا في هذه الرُّؤيا مع الخائضين لقلنا: نعوذ بالله؛ فلان رأى أنَّه يقطع أوراقَ المصحف ويَحرقها بالنَّار، ثمَّ بَنَيْنَا على هذا اعتقادَ سوء في الشَّخص وتبع ذلك آثار من المعاداة والتَّحذير..
من جنس ما تقدَّمَ ما حُكي أنَّ هارونَ الرَّشيد رأى ملكَ الموت  قد مُثِّل له فقال له: يا ملكَ الموت، كم بقي من عمري؟ فأشار إليه بخمس أصابع كفِّه مبسوطة، فقام مذعورًا من رؤياه وقصَّها على حجَّام موصوف بالتَّعبير فقال: يا أميرَ المؤمنين قد أخبرك أن خمسة أشياء علمها عند الله تجمعُها هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34].. فضحك هارون وفرح بذلك؛ فانظر كيف ظنَّ هارون أنَّه لم يبقَ من عمره إلَّا خمسة أيام، فإن طالت فخمسة أشهر، وإن طالت فخمس سنين، ولا يريد ذلك؛ يريد أن يتمتَّعَ في ملكه، والمرادُ أنَّ الأمرَ ليس على ما يبدو من الظَّاهر....(20).