الفرارُ من مواجهة الواقع إلى الرُّؤَى والأحلام مع عدم العمل وبذل الأسباب
 
الفرارُ من مواجهة الواقع إلى الرُّؤَى والأحلام مع عدم العمل وبذل الأسباب:
عندما يتصادمُ الإنسانُ مع واقعه يتَّخذ الرُّؤَى والأحلامَ مخرجًا ومهربًا ممَّا يعايشه، ويطمئنُّ إليها، ويترك المنهجَ الشَّرعيَّ المناسبَ لمعايشة واقعه، ويلجأ إلى تلك الأحلام لأنَّها لا تحتاج منه مزيد عمل؛ فهو ينتظر لتلك الرُّؤيا أمرًا خارقًا للعادة؛ فيريد أن يُرْزَقَ مولودًا دونَ أن يَتَعالجَ إذا كان مريضًا؛ استنادًا إلى رؤيا رآها، أو يريد أن ينجح دون أن يذاكر؛ فالإنسانُ مطالَبٌ بالأسباب، ولا مانعَ من أن يَسْتَبْشرَ بالرُّؤى خيرًا.
ومن هنا يتبيَّن خطأ أولئك الذين يبنون آمالَهم وانتصاراتهم على الرُّؤَى والأحلام التي لا تعدو أن تكون مجرَّدَ بشارة أو نذارة دون أن يعايشوا واقعَهم أو يبذلوا الأسبابَ الشَّرعيَّة الموصِّلة إلى تحقيق تلك الآمال؛ متجاوزين بذلك السُّنَّة الكونيَّة التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
وتأمَّل هديَ النَّبيّ صلى الله عليه و سلم في غزوة أحد؛ ستجد أنَّه عمل بما يريدُه منه الشَّرعُ؛ فَبَذَلَ الأسبابَ لسلامته؛ حيث أخذ سلاحَه واستشار أصحابَه، فأشار عليه أصحابُه أن يخرج إلى الأعداء؛ فترك الرُّؤيا وما دلَّت عليه من أنَّ المدينةَ هي الدّرع الحصين الذي رآها في المنام؛ فلم يركن إلى الرُّؤيا؛ وإنَّما بذل الأسباب الحسِّيَّة والشَّرعيَّة، ومع ذلك حدث لهم ما حدث من سقوط بعض القتلى بسبب مخالفة الرُّماة لأمر النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ؛ فماذا يُقال إذًا في هذا الزَّمان الذي كثرت فيه المخالفات برًّا وبحرًا وجوًّا، وليس القائدُ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم ، وليس الجيشُ صحابةَ رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟! فإلى الله المشتَكَى ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله.