9-وعن أبي بكرة نُفيع بن الحارث الثقفي _ رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) (39) [متفق عليه].
 
قوله: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما)) أي: يريد كل واحد منهما أن يقتل الآخر، فَسَلَّ عليه السيف، وكذلك لو أشهر عليه السلاح؛ كالبندقية، أو غيرها مما يقتل؛ كحجر ونحوه!
فَذِكْرُ السيف هنا على سبيل التمثيل، وليس على سبيل التعيين.بل إذا التقى المسلمان بأي وسيلة يكون بها القتل، فقتل أحدهما الآخر فالقاتل والمقتول في النار - والعياذ بالله فقال أبو بكرة للنبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا القاتل؟)) يعني أن كونه في النار واضح؛ لأنه قتل نفساً مؤمنة متعمِّداً؛ والذي يقتل نفساً مؤمنة متعمداً بغير حق فإنه في نار جهنم.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ [النساء:93]، فأبوبكرة - رضي الله عنه- قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ((هذا القاتل)) وهذه الجملة هي ما يعرف في باب المناظرة بالتسليم، يعني: سلَّمنا أن القاتل في النار، فما بال المقتول؟ كيف يكون في النار وهو المقتول؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لأنه كان حريصا على قتل صاحبه)) فهو حريص على قتل صاحبه؛ ولهذا جاء بآلة القتل ليقتله، ولكن تفوق عليه الآخر فقتله. فيكون هذا - والعياذ بالله - بنية القتل، وعمله السبب الموصل للقتل يكون كأنه قاتل؛ ولهذا قال: ((لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه))
ففي هذا الحديث: دليل على أن الأعمال بالنيات، وأن هذا لما نوى قتل صاحبه، صار كأنه فاعل ذلك، أي كأنه قاتل. وبهذا نعرف الفرق بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم : ((من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد)) (40). وقوله فيمن أتى ليأخذ مالك: ((إن قتلته فهو في النار، وإن قتلك فأنت شهيد))
وذلك أن الإنسان الذي يدافع عن ماله، وأهله، ونفسه، وعرضه إنما دافع رجلاً معتدياً صائلاً، لا يندفع إلا بالقتل، فهنا إذا قتل الصائل كان في النار، وإن قتل المدافع كان شهيداً في الجنة، فهذا هو الفرق بينهما.
فبهذا عُلِم أن من قتل أخاه مريداً لقتله فإنه في النار، ومن قتله أخوه، وهو يريد قتل أخيه ، لكن عجز ، فالمقتول أيضاً في النار. القاتل والمقتول في النار.
وفي هذا الحديث : دليل على عِظَم القتل،وأنه من أسباب دخول النار والعياذ بالله.
وفيه: دليل على أن الصحابة - رضي الله عنهم- كانوا يوردون على الرسول صلى الله عليه وسلم الشُّبَهَ فيُجيبُ عنها.
ولهذا لا نجد شيئا من الكتاب والسنة فيه شبهة حقيقية إلا وقد وجد حلها، إما أن يكون حلها بنفس الكتاب والسنة من غير إيراد سؤال، وإما أن يكون بإيراد سؤال يُجاب عنه. ومن ذلك أيضاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر بأن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً؛ اليوم الأول كسنة، والثاني كشهر، والثالث كالأسبوع،وبقية الأيام كأيامنا، سأله الصحابة فقالوا: يا رسول الله، هذا اليوم الذي كسنة هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال : ((لا، اقْدُرُوا له قَدْرَه ))(41)، ففي هذا أبْينُ دليل على أنه لا يوجد - ولله الحمد- في الكتاب والسنة شيء مشتبه ليس له حل، لكن الذي يوجد: قصور في الأفهام تعجز عن معرفة الحل، أو يقصر الإنسان؛ فلا يطلب ، ولا يتأمل ، ولا يراجع؛ فيشتبه عليه الأمر.
أما الواقع : فليس في القرآن والسنة- ولله الحمد - شي مشتبه إلا وجد حله في الكتاب أو السنة؛ إما ابتداءً، وإما جواباً عن سؤال يقع من الصحابة- رضي الله عنهم- والله الموفق.



(39) أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب: ﴿ومن أحياها﴾ رقم ( 6875). ومسلم ، كتاب الفتن، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، رقم ( 2888).
(40) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص ، رقم (4772). والترمذي ، كتاب الديات؛ باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، رقم (1421)، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه مختصراً ، كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد ، رقم (2580) وصححه الألباني كما في صحيح الجامع رقم ( 6445) والإرواء رقم (708).
(41) أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم (2937).

الموضوع التالي


10- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزُهُ إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلارفع له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة، ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه)) (42) [ متفق عليه] . وهذا لفظ مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((يَنْهَزُهُ)) هو بفتح الياء والهاء، وبالزاي : أي يُخرجه وينهضه.