23- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن لابن آدم ملء وادٍ مالاً؛ لأحبَّ أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)).(99) [متفق عليه] . 24-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال((يضحك الله- سبحانه وتعالى- إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتلُ، ثم يتوب الله على القاتل فيُسْلِمُ فيُسْتَشهَدُ))(100) [ متفق عليه] .
 
هذان الحديثان في بيان التوبة، وأن من تاب تاب الله عليه مهما عظم ذنبه؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)﴾ [الفرقان:68-70].
فالحديث الأول عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- ومعناه: أن ابن آدم لن يشبع من المال، ولو كان له واد واحد ((لا بْتَغَى)) أي طلب أن يكون له واديان، ولا يملأ جوفه إلا التراب؛ وذلك إذا مات ودُفن وترك الدنيا وما فيها؛ حينئذٍ يقتنع؛ لأنها فاتنة، ولكن مع ذلك حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على التوبة؛ لأن الغالب أن الذي يكون عنده طمع في المال؛ أنه لا يحترز من الأشياء المحرمة من الكسب المحرم.
ولكن دواء ذلك بالتوبة إلى الله ولهذا قال: ((ويتوب الله على من تاب)) فمن تاب من سيئاته- ولو كانت هذه السيئات مما يتعلق بالمال -فإن الله يتوب عليه.
أما الحديث الثاني فهو عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يضحك الله إلى رجلين... الحديث)).
فضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأنه كان بينهما تمام العداوة في الدنيا؛ حتى إن أحدهما قتَلَ الآخر، فقَلَبَ الله هذه العدواة التي في قلب كل واحد منهم، وأزال ما في نفوسهما من الغلِّ، لأن أهل الجنة يطهرون من الغل والحقد؛ كما قال الله-تعالى- في وصفهم ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر:47] .
فهذا وجه العجب من الله- عز وجل- لهذين الرجلين أنه كان بينهما تمام العداوة،ثم إن الله-تعالى- مَنَّ على هذا القاتل الذي كان كافراً فتاب، فتاب الله عليه.
ففيه دليل: على أن الكافر إذا تاب من كُفْره-ولو كان قد قتل أحداً من المسلمين-فإن الله- تعالى- يتوب عليه؛ لأن الإسلام يهدِمُ ما قبله.

الموضوع التالي


قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾ [آل عمران:200]، وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10]، وقال تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى:43]، وقال تعالى:﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153]، وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين﴾ [محمد:31]، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.

الموضوع السابق


22- وعن أبي نُجَيد- بضم النون وفتح الجيم- عمران بن الحصين الخزاعي- رضي الله عنهما - أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله، أصبت حداً فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: ((أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني)) ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشُكَّت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرُجمت، ثم صلى عليها. فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟!))(96) [ رواه مسلم].