32- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صَفِيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))(122) [ رواه البخاري].
 
هذا الحديث يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله، ويسمي العلماء- رحمهم الله- هذا القسم من الحديث : الحديث القدسي ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رواه عن الله.
قوله: ( صَفِيَّهُ) : الصَّفي: من يصطفيه الإنسان ويختاره ويرى أنه ذو صلة منه قوية، من ولد، أو أخ، أو عم، أو أب، أو أم ، أو صديق، إذا أخذه الله عز وجل ثم احتسبه الإنسان فليس له جزاء إلا الجنة.
ففي هذا دليل على فضيلة الصبر على قبض الصَّفي من الدنيا، وأن الله عز وجل يُجازي الإنسان إذا احتسب، يُجازيه الجنة.
وفيه: دليل على فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه على عباده، فإن الملْكَ ملكه، والأمر أمره، وأنت وصفيُّك كلاكما لله عز وجل، ومع ذلك فإذا قبض الله صفي الإنسان واحتسب ، فإن له هذا الجزاء العظيم.
وفي هذا الحديث أيضاً من الفوائد: الإشارة إلى أفعال الله، من قوله: ((إذا قبضت صفيه)) ولا شك أن الله سبحانه وتعالى فعَّال لما يريد ، ولكن يجب علينا أن نعلم أن فعل الله تعالى كله خير، لا يُنسب الشر إلى الله أبداً، والشر إذا وقع فإنما يقع في المفعولات ولا يقع في الفعل.
فمثلاً إذا قدَّرَ الله على الإنسان ما يكره، فلا شك أن ما يكرهه الإنسان بالنسبة إليه شر. لكن الشر في هذا المقدر لا في تقدير الله، لأن الله تعالى لا يُقَدِّرهُ إلا لحكمة عظيمة، إما للمقدَّر عليه وإما لعامة الخلق.
أحياناً تكون الحكمة خاصة في المقدَّر عليه، وأحياناً في الخلق على سبيل العموم.
المقدرُ عليه إذا قدَّر الله عليه شرا وصبر واحتسب نال بذلك خيراً، وإذا قدر الله عليه شرًا ورجع إلى ربه بسبب هذا الأمر، لأن الإنسان إذا كان في نعمة دائماً قد ينسى شكرَ المُنعِمِ عز وجل ولا يلتفت إلى الله، فإذا أصيب بالضراء تذكَّر ورجع إلى ربه سبحانه وتعالى، ويكون في ذلك فائدة عظيمة.
أما بالنسبة للآخرين ، فإن هذا المقدَّر على الشخص إذا ضرَّه قد ينتفع به الآخرون.
ولنضرب لذلك مثلا برجل عنده بيت من الطين، أرسل الله مطراً غزيراً دائماً، فإن صاحب هذا البيت يتضرَّر، لكن المصلحة العامة للناس مصلحة ينتفعون بها، فصار هذا شرًا على شخص وخيرًا للآخرين، ومع ذلك فكونه شرًّا لهذا الشخص أمر نسبي، إذا إنه شر من وجه لكنه خير له من وجه آخر.فيتَّعظُ به ويعلم أن الملجأ هو الله عز وجل، لا ملجأ إلا إليه، فيستفيد من هذا فائدة أكبر مما حَصَلَ له من المضرة.
المهم أن هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في باب الصبر، لأن فيه فائدة عظيمة فيما إذا صبرَ الإنسان على قبض صفيِّه، أنه ليس له جزاء إلا الجنة. والله الموفق.



(122) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق ، باب العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى، رقم ( 6424).