34- وعن أنس- رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل قال: إذا ابتليتُ عبدي بحَبِيبتَيهِ فصبر، عوَّضتُه منهما الجنة)) يريد عينيه (125) [ رواه البخاري].
 
في هذا الحديث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه)) يعني عَيْنيه فيعمى، ثم يصبر، إلا عوضه الله بهما الجنة. لأن العين محبوبة للإنسان ، فإذا أخذهما الله سبحانه وتعالى وصبر الإنسان واحتسب، فإن الله يعوضه بهما الجنة، والجنة تساوي كل الدنيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها)) (126) .أي مقدار متر في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ لأن ما في الآخرة باقٍ لا يفنى ولا يزول، والدنيا كلها فانية زائلة، فلهذا كانت هذه المساحة القليلة من الجنة خيرًا من الدنيا وما فيها.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا قبض من الإنسان حاسةً من حواسه، فإن الغالب أن الله يعوضه في الحواس الأخرى ما يخفف عليه ألمَ فَقْدِ هذه الحاسة التي فقدها.
فالأعمى يَمُنُّ الله عليه بقوة الإحساس والإدراك، حتى إن بعض الناس إذا كان أعمى تجده في السوق يمشي وكأنه مبصر يَحِسُّ بالمنعطفات في الأسواق، ويحس بالمنحدرات وبالمرتفعات، حتى أن بعضهم يتفق مع صاحب السيارة- سيارة الأجرة- يركب معه من أقصى البلد إلى بيته وهو يقول لصاحب السيارة: خذْ ذات اليمين، وهكذا حتى يُوقفه عند بابه، وصاحب السيارة لا يعرف البيت، لكن هذا يعرف البيت وهو راكب، سبحان الله! فالله عز وجل إذا اقتضت حكمته أن يُفْقِدَ أحداً من عباده حاسة من الحواس، فالغالب أن الله تعالى يخلف عليه حاسة قوية وإدراكاً قويا يعوِّض بعض ما فاته مما أخذه الله منه. والله الموفق.



(125) أخرجه البخاري ، كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره، رقم (5653).

(126) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله، رقم ( 2892).