43 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة )). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء ،وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي الله فَلهُ الرضى، ومن سخط فله السُّخط )) (142) رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
 
الأمور كلها بيد الله عز وجل وبإرادته، لأن الله تعالى يقول عن نفسه ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج:16] ، ويقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18] ، فكل الأمور بيد الله .
والإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب ؛ فإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا : إما بماله ، أو بأهله ، أو بنفسه ، أو بأحد ممن يتصل به ؛ لأن العقوبة تُكَفِّرُ السيئات ، فإذا تعجَّلت العقوبة وكفَّر الله بها عن العبد ، فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب ، قد طهَّرَته المصائب والبلايا ، حتى إنه ليشدَّدُ على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه ، حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب ، وهذه نعمة ؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .
لكن إذا أراد الله بعبده الشر أمهل له واستدرجه وأدرَّ عليه النعم ودفع عنه النقم حتى يبطر - والعياذ بالله - ويفرح فرحا مذموما بما أنعم الله به عليه ، وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة ، نسأل الله العافية . فإذا رأيت شخصا يبارز الله بالعصيان وقد وقاه الله البلاء وأدرَّ عليه النعم ، فاعلم أن الله إنما أراد به شرًّا ؛ لأن الله أخَّرَ عنه العقوبة حتى يوافى بها يوم القيامة .
ثم ذكر في هذا الحديث: ((إن عظم الجزاء من عظم البلاء)) يعنى أنه كلما عظُم البلاء عظم الجزاء . فالبلاء السهل له أجر يسير ، والبلاء الشديد له أجر كبير ، لأن الله عز وجل ذو فضل على الناس ، إذا ابتلاهم بالشدائد أعطاهم عليها من الأجر الكبير ، وإذا هانت المصائب هان الأجر .
((وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط)) .
وهذه - أيضا - بُشرى للمؤمن ، إذا ابتُلي بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يُبغضه ، بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد ، يبتليه سبحانه بالمصائب ، فإذا رضيَ الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى ، وإن سخط فله السخط .
وفي هذا حث على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يُكتب له الرضى من الله عز وجل . والله الموفق .



(142) أخرجه الترمذي ، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم (2396)، وقال: حسن غريب. وهو في صحيح الجامع رقم (308) .

الموضوع التالي


44- وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان ابنُ لأبي طلحة - رضي الله عنه - يشتكي ، فخرج أبو طلحة ، فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سُليم - وهي أم الصبي - : هو أسكن ما كان . فقرَّبت إليه العشاء فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت: وا رُوا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال (( أعرَّستم الليلة ؟ )) قال : نعم ، قال : (اللهم بارك لهما ؛ فولدت غلاما ، فقال: لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معه بتمرات، (( أَمَعَه شيء ؟ )) قال : نعم ، تمرات ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ، ثم أخذها من فيه فجعلها في فِي الصبي ، ثم حنَّكه وسماه عبد الله(143) . [ متفق عليه ] . وفي رواية للبخاري(144) : قال ابن عُيينه : فقال رجل من الأنصار ، فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن ، يعني من أولاد عبد الله المولود . وفي رواية لمسلم(145) : مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سُليم ، فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، فجاء ، فقرَّبت إليه عشاء فأكل وشرب ، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك ، فوقع بها ، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت : يا أباطلحة ، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعهم ؟ قال : لا ، فقالت : فاحتسب ابنك . قال: فغضب ، ثم قال : تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني ؟ ! فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان ، فقال رسول الله : (( بارك الله في ليلتكما )) قال : فحملت ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا ، فدنوا من المدينة ، فضربها المخاض ، فاحتبس عليها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، وأدخل معه إذا دخل ، وقد احتبست بما ترى . تقول أم سليم ؟ يا أبا طلحة ، ما أجد الذي كنت أجد ، انطلق ، فانطلقا ، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاما ، فقالت لي أمي : يا أنس ، لا يُرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح احتملته ، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر تمام الحديث .

الموضوع السابق


42 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم حُنين ، آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عُيينة بن حصن مثل ذلك ، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يؤمئذ في القسمة . فقال رجل : والله إن هذه قسمة ما عُدل فيها، وما أُريدَ فيها وجه الله، فقلت : والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصِّرْف ثم قال : (( فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ ثم قال : يرحم الله موسى ،قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)) فقلت: لا جَرَمَ لا أرفع إليه بعدها حديثاً(141) [متفق عليه] . وقوله : ((كالصِّرْف)) هو بكسر الصاد المهملة: وهو صبغ أحمر.