45 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس الشديد بالصُرَعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ))(155) [ متفق عليه ]. (( والصرعة )) بضم الصاد وفتح الراء ، وأصله عند العرب : من يصرع الناس كثيرا . 46 - وعن سليمان بن صُرَد - رضي الله عنه - قال : كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يَسْتَبَّان ، وأحدهما قد احمر وجهه ، وانتفخت أوداجه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ذهب منه ما يجد )) فقالوا له : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم ))(156) [متفق عليه] . |
هذان الحديثان اللذان ذكرهما المؤلف في الغضب ، والغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ، فيستشيط غضبا ، ويحتمي جسده ، وتنتفح أوداجه ، ويحمرُّ وجهه ، ويتكلم بكلام لا يعقله أحيانا ، ويتصرف تصرفا لا يعقله أيضا .
ولهذا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني قال : (( لا تغضب )) قال فردَّد مرارا ،قال «لا تغضب» (157) . وبيَّن النبي - عليه الصلاة والسلام - في حديث أبي هريرة هذا الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - أن الشديد ليس بالصُّرَعة فقال : ((ليس الشديد بالصرعة)) أي: ليس القوي في الصرعة الذي يكثر صرع الناس فيطرحهم ويغلبهم في المصارعة ، هذا يقال عنه عند الناس إنه شديد وقوي ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليس هذا الشديد حقيقة ، ((إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) أي : القوي حقيقة هو الذي يصرع نفسه إذا صارعته وغضب ملكها وتحكم فيها ، لأن هذه هي القوة الحقيقة ، قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان ، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب . ففي هذا الحديث الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب ، وأن لا يسترسل فيه ، لأنه يندم بعده ، كثيرا ما يغضب الإنسان فيطلِّق امرأته ، وربما تكون هذه الطلقة آخر تطليقة ! كثيرا ما يغضب الإنسان فيتلفُ ماله ، إما بالحرق أو بالتكسير . كثيرا ما يغضب على ابنه حتى يضربه ، وربما مات بضربه . وكذلك يغضب على زوجته مثلا فيضربها ضربا مبرحا ، وما أشبه ذلك من الأشياء الكثيرة التي تحدث للإنسان عند الغضب ؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان(158) لأن الغضب يمنع القاضي من تصور المسألة ، ثم من تطبيق الحكم الشرعي عليها ، فيهلك ويحكم بين الناس بغير الحق . وكذلك ذكر المؤلف - رحمه الله - حديث سليمان بن صُرَد - رضي الله عنه - في رجلين استَبَّا عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما حتى انتفخت أوداجه واحمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )) أعوذ بالله أي : أعتصم به . من الشيطان الرجيم : لأن ما أصابه من الشيطان ، وعلى هذا فنقول : المشروع للإنسان إذا غضب أن يحبس نفسه وأن يصبر ، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن يتوضأ ، فإن الوضوء يطفئ الغضب ، وإن كان قائما فليقعد ، وإن كان قاعدا فليضطجع ، وإن خاف خرج من المكان الذي هو فيه ، حتى لا ينفذ غضبه فيندم بعد ذلك . والله الموفق . (155) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم (6114)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، رقم (2609). (156) أخرجه البخاري، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب، رقم (6115)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، رقم (6110). (157) أخرجه البخار ي ، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب ، رقم (6116) . (158) أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، رقم (7158)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، رقم (1717). |