قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] ، وقال تعالى:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾ [الأحزاب: 35] ، وقال تعالى: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [محمد: 21] .
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب الصدق.
الصدق: معناه مطابقة الخبر للواقع، هذا في الأصل.
ويكون في الإخبار، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقاً للواقع قيل: إنه صدق، مثل أن تقول عن هذا اليوم: اليوم يوم الأحد، فهذا خبر صدق؛ لأن اليوم يوم الأحد.
وإذا قلت : اليوم يوم الاثنين ، فهذا خبر كذب.
فالخبر إن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب.
وكما يكون الصدق في الأقوال يكون أيضاً في الأفعال.
فالصدق في الأفعال: هو أن يكون الإنسان باطنه موافقاً لظاهره، بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقاً لما في قلبه.
فالمرائي مثلا ليس بصادق؛ لأنه يُظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك.
والمشرك مع الله ليس بصادق؛ لأنه يُظهر أنه مُوَحِّدٌ وليس كذلك.
والمنافق ليس بصادق، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن.
والمبتدع ليس بصادق، لأنه يظهر الاتباع للرسول- عليه الصلاة والسلام- وليس بمتَّبِع.
المهمُّ أن الصدق مُطابقة الخبر للواقع، وهو من سمات المؤمنين وعكسه الكذب، وهو من سمات المنافقين، نعوذ بالله.
ثم ذكر آيات في ذلك:
فقال: وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119].
هذه الآية نزلت بعد ذكر قصة الثلاثة الذين خلفوا ، وقد تخلفوا عن غزوة تبوك، ومنهم : كعب بن مالك، وقد تقدم حديثه.
وكان هؤلاء الثلاثة حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وكانوا قد تخلفوا عنها بلا عذر، وأخبروا النبي - عليه الصلاة والسلام-بأنهم لا عذرَ لهم، فخلفهم، أي: تركهم.
فمعنى: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ أي: تُركوا، فلم يبت في شأنهم؛ لأن المنافقين لما قدم الرسول- عليه الصلاة والسلام- من غزوة تبوك جاؤوا إليه يعتذرون إليه ويحلفون بالله إنهم معذورون ، وفيهم أنزل الله هذه الآية ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(95)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:95،96] .
أما هؤلاء الثلاثة فصدقوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأخبروه بالصدق بأنهم تخلفوا بلا عذر.
فأرجأهم النبي - عليه الصلاة والسلام- خمسين ليلة،﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾[التوبة: 118]، ثم أنزل الله توبته عليهم.
ثم قال بعد ذلك:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119]، فأمر الله تعالى المؤمنين بأن يتقوا الله، وأن يكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين.
وقال الله تعالى:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾[الأحزاب:35]، هذه في جملة الآية الطويلة التي ذكرها الله في سورة الأحزاب، وهي، ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ إلى أن قال:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾ إلى أن قال: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾[الأحزاب:35] .
فذكرَ الله الصادقين والصادقات في مقام الثناء، وفي بيان ما لهم من الأجر العظيم.
وقال تعالى:﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ أي: لو عامَلوا الله بالصدق لكان خيراً لهم، ولكن عاملوا الله بالكذب فنافقوا وأظهروا خلاف ما في قلوبهم، وعاملوا النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب، فأظهروا أنهم متَّبِعون له وهم مخالفون له. فلو صدقوا الله بقلوبهم وأعمالهم وأقوالهم لكان خيراً لهم، ولكنهم كذبوا الله فكان شرًّا لهم.
وقال الله:﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب:24] فقال: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾.
فدلَّ ذلك على أن الصدق أمره عظيم ، وأنه محلٌّ للجزاء من الله سبحانه وتعالى .
إذنْ علينا أن نصدق ، وعلينا أن نكون صادقين ، وعلينا أن نكون صُرحاء، وعلينا أن لا نخفي الأمر عن غيرنا مُداهنة أو مراءاةً .
كثير من الناس إذا حُدِّثَ عن شيء فعله وكان لا يرضيه كذب وقال : ما فعلت .
لماذا ؟ لا تستحِ من الخلق وتبارِزُ الخالق بالكذب؟! قُلِ الصدقَ ولا يهمنك أحد ، وأنت إذا عوَّدت نفسك الصدق فإنك في المستقبل سوف تُصلح حالك ، أما إذا أخبرت بالكذب وصرت تكتم عن الناس وتكذب عليهم ، فإنك سوف تستمرُّ في غيِّك ، ولكن إذا صدقت فإنك سوف تعدل مسيرتك ومنهاجك.
فعليك بالصدق فيما لك وفيما عليك ؛ حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] .