أركان الإسلام : الشهادتين
 

قال: ((أخبرني عن الإسلام)) أي: ما هو الإسلام ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)).
هذا الركن الأول: تشهد بلسانك نطقاً، وبقلبك إقراراً: أن لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى .
وألوهية الله فرع عن ربوبيته؛ لأن من تأله لله فقد أقرَّ بالربوبية ، إذ إن المعبود لابد أن يكون رباً، ولابد أن يكون أيضاً كامل الصفات، ولهذا تجد الذين ينكرون صفات الله- عز وجل- عندهم نقص عظيم في العبودية، لأنهم يعبدون من لا شيء.
فالرب لابد أن يكون كامل الصفات، حتى يُعبَدَ بمقتضي هذه الصفات ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، ((ادعوه)) أي: تعبَّدوا له وتوسَّلوا بأسمائه إلى مطلوبكم.فالدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
المهم أنه قال: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله))، فلا إله من الخلق، لا مَلَك مقرب ولا نبي مرسل، ولا شمس، ولا قمر ولا شجر ولا حجر، ولا بر ولا بحر، ولا ولي ولا صديق ولا شهيد، ، لا إله إلا الله وحده.
وهذه الكلمة أرسل الله بها جميع الرسل، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25] ، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36] ، أي: ابتعدوا عن الشرك.
فهذه الكلمة إذا حققها الإنسان وقالها من قلبه ملتزماً بما تقتضيه من الإيمان والعمل الصالح، فإنه يدخل الجنة بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))(197) ، جعلنا الله وإياكم منهم.
وقوله: ((وأن محمداً رسول الله)) أي: تشهد بأن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي رسول الله، ولم يذكر من سواه من الرسل؛ لأنه نسخ جميع الأديان كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ناسخ لما قبله من الأديان.
فكل الأديان باطلة ببعثه الرسول عليه الصلاة والسلام، فدين اليهود باطل، ودين النصارى باطل غير مقبول عند الله ؛ لقول الله تعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] .
يتعبون في عبادتهم التي ابتدعوها تعبا عظيماً، وينصبون نصبا عظيماً، وكل هذا هباء لا ينفعهم بشيء، لن تقبل منهم .
وقوله:﴿وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فلو ربحوا في الدنيا ما ربحوا في الآخرة؛ لأن أديانهم باطلة، فالذين يدَّعون الآن من النصارى أنهم ينتسبون إلى عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام- هم كذابون ، والمسيح بريء منهم، ولو جاء المسيح لقاتلهم، وسينزل في آخر الزمان ولا يقبل إلا الإسلام. فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فلا يقبلها من أحد ، لا يقبل إلا الإسلام.
وقوله: ((وأن محمداً رسول الله)) أي: إلى الخلق كافة ، كما قال الله:﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [الفرقان:1]،للعالمين كلهم .
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158] ، فهو رسول إلى جميع الخلق.
وقد أقسم صلى الله عليه وسلم : (( أنه لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار))(198).
ولذلك نحن نؤمن ونعتقد بأن جميع النصارى واليهود وغيرهم من الكفرة كلهم من أصحاب النار، لأن هذه شهادة النبي عليه الصلاة والسلام، والجنة حرام عليهم، لأنهم كفرة أعداء لله تعالى ولرسله عليهم الصلاة والسلام، أعداء لإبراهيم ، ولنوح، ولمحمد، ولموسى، ولعيسى، ولجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام .
وقوله: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله)) مع قوله: ((وأن محمداً رسول الله)) هذان جمعا شرطي العبادة، وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من قال : لا إله إلا الله أخلص لله، ومن شهد أن محمداً رسول الله اتبع رسول الله ولم يتبع سواه.
ولهذا عُدَّ هذان ركنا واحدا من أركان الإسلام، لأنهما يعودان إلى شئ واحد، وهو تصحيح العبادات، لأن العبادات لا تصح إلا بمقتضى هاتين الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله التي يكون بها الإخلاص، وأن محمد رسول الله التي يكون بها الاتباع .
وقوله: ((وأن محمدا رسول الله)) يجب أن تشهد بلسانك، مقرا بقلبك، أن محمدا رسول الله، أرسله إلى العالمين جميعا رحمة بالعالمين، كما قال الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] ، و أن تؤمن بأنه خاتم النبيين، كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40]، فلا نبي بعده، ومن ادَّعى النبوة بعده فهو كافر كاذب، ومن صدقه فهو كافر. و يلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شريعته و سنته، و أن لا تبتدع في دينه ما ليس منه و لهذا نقول: أن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة الرسول صلى الله عليه و سلم ما ليس منها أنهم لم يحققوا شهادة: أن محمدا رسول الله ! حتى و أن قالوا أننا نحبه و نعظمه، فإنهم لو أحبوه تمام المحبة و عظموه تمام التعظيم ما تقدموا بين يديه، و لا أدخلوا في شريعته ما ليس منها. فالبدعة مضمونها حقيقة القدح برسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما يقول هذا المبتدع: أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكملِ الدين و لا الشريعة، لأن هناك ديناً و شريعةً ما جاء بها ! ثم في البدعة محذور آخر، وهو عظيم جدا، وهو أنه يتضمن تكذيب قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]، لأن الله تعالى إذا كان أكمل الدين، فمعناه أنه لا دين بعدما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام، و هؤلاء المبتدعون شرعوا في دين الله ما ليس منه، من تسبيحات و تهليلات و حركات و غير ذلك، فهم في الحقيقة مكذبون لمضمون قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. وكذلك قادحون برسول الله صلى الله عليه و سلم متهمون إياه بأنه لم يكمل الشريعة للبشر، و حاشاه من ذلك .
ومن تمام شهادة أن محمدا رسول الله أن تُصَدِّقه فيما أخبره به، فكل ما صح عنه وجب عليك أن تصدق به، و أن لا تعارض هذا بعقلك و تقديراتك و تصوراتك، لأنك لو لم تؤمن إلا بما صدق به عقلك لم تكن مؤمنا حقيقة، بل متبعا لهواك لا آخذا بهداك، والذي يؤمن بالرسول عليه الصلاة و السلام- حقا يقول فيما صح عنه من الأخبار: سمعنا و آمنا و صدقنا .
أما أن يقول: كيف كذا؟ كيف يكون كذا؟ فهذا غير مؤمن حقيقة، و لذلك يُخشى على أولئك القوم الذين يحكمون عقولهم فيما أخبر به الرسول عليه الصلاة و السلام، لأنهم إن كانوا لا يقبلون إلا بما شهدت به عقُولهم- و عقولهم لا شك إنها قاصرة- فإنهم لم يؤمنوا حقا برسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يشهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم على وجه الحقيقة ، عندهم من ضعف هذه الشهادة بمقدار ما عندهم من التشكك فيما أخبر به . كذلك من تحقيق شهادة: ((أن محمدًا رسول الله)) إلا تغلو فيه فتنزله بمنزلة أكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها ، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه و سلم يكشف الضر، حتى إنهم عند قبره يسألون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أن يكشف الضر عنهم، وأن يجلب النفع لهم. هذا غلو في الرسول - عليه الصلاة والسلام - وشرك بالله عز وجل !! لا يقدر أحد على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم بعده موته لا يملك لنفسه شيئا أبدا.
حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-واستسقوا في مسجد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما جاؤوا إلى القبر يسألون الرسول أو يقولون ادعُ الله لنا أو اشفع لنا عند الله حتى ينزل الغيث. قال عمر يدعو الله : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسْقِنا))(199) ، ثم أمر العباس أن يقوم ويدعوا الله تعالى بإنزال الغيث .
لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميِّت لا عمل له بعد موته، هو الذي قال: (( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))(200). فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئا، لا يملك أن يدعو لك وهو في قبره أبدا. فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فإنه لم يحقق شهادة ((أن محمدًا رسول الله)) بل شهد أن محمدًا رب مع الله نعوذ بالله، لأن معنى كونه رسولا أنه عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، نحن في صلاتنا كل يوم نقول: (( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله)).فهو عبدٌ كغيره من العباد مربوب، والله هو المعبود عز وجل وهو الرب .
إذاً نقول لهؤلاء الذين نجدهم يغلون برسول الله صلى الله عليه وسلم وينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله، نقول لهم: إنكم لم تحققوا لا شهادة أن لا اله إلا الله، ولا شهادة أن محمدًا رسول الله. فالمهم أن هاتين الشهادتين عليهما مدار عظيم، كل الإسلام فهو عليهما .
لذلك لو أراد الإنسان أن يتكلم على ما يتعلق بهما منطوقا ومفهوما ومضمونا و إشارة لاستغرق أياما! ولكن نحن أشرنا إشارة إلى ما يتعلق بهما، و نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحققهما عقيدة، وقولا، وفعلا!



(197) أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، باب في التلقين ، رقم (3116)، والإمام أحمد في المسند (5/247 )، والحاكم في المستدرك (1/35) ، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي.
(198) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ، رقم (153) .
(199) أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، رقم(1010) .
(200) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته،رقم (1631) .

الموضوع السابق


60- وأما الأحاديث: فالأول : عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال : صدقت .فعجبنا يسأله ويُصَدِّقه! قال: فأخبرني عن الإيمان . قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت : قال فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطق , فلبتث ملياً، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))(196) [رواه مسلم]. ومعنى (( تلد الأمة ربتها)) أي: سيدتها ومعناه: أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها، وبنت السيد في معنى السيد، وقيل غير ذلك. ((والعالة)) الفقراء وقوله: ((مليا)) أي: زمان طويلاً، وكان ذلك ثلاثا.