أركان الإسلام : الصلاة - فمن أهم شروطها : استقبال القبلة
 

الشرط الثالث: استقبال القبلة: فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به. قال تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:150] ، أي : جهته. وكان النبي- عليه الصلاة والسلام- أول ما قدم المدينة كان يصلي إلى بيت المقدس، فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قِبَلَ وجهه، ولكن بعد ذلك ترقَّب أن الله سبحانه وتعالى - يشرع له خلاف ذلك، فجعل يقلِّب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال بيت الله الحرام، كما قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلينَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة:144]، فأمره الله- عز وجل- أن يستقبل المسجد الحرام، أي: جهته. إلا أنه يُستثنى من ذلك ثلاث مسائل:
المسالة الأولى: إذا كان عاجزا كمريض وجهه إلى غير القبلة، ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال، لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، وقوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)) (219).
المسألة الثانية: إذا كان في شدة الخوف، كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من نار، أو هارب من واد يغرقه! المهم أنه في شدة خوف، فهنا يصلي حيث كان وجهه. ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:239]، فإن قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ عام يشمل أي خوف. وقوله: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ على أنَّ أي ذكر تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه،ومن ذلك استقبال القبلة.
ويدل عليه أيضا: ماسبق من الآيتين الكريمتين و الحديث النبوي في أن الوجوب معلَّق بالاستطاعة
المسألة الثالثة: في النافلة في السفر، سواء كان على طائرة، أو على سيارة، أو على بعير، فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل الوتر وصلاة الليل والضحى وماأشبه ذلك.والمسافر ينبغي له أن يتنفَّل بجميع النوافل كالمقيم سواءً إلا في الرواتب، كراتبه الظهر والمغرب والعشاء، فالسنة تركها، وماعدا ذلك من النوافل فإنه باقٍ على مشروعيته للمسافر، كما هو مشروع للمقيم. فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر على طائرته، أو على بعيره، أو على حماره، فليتنفَّلْ حيث كان وجهه، لأن ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (220).
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة! أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة، لكن إذا اجتهد وتحرَّى ثم تبيَّن له الخطأ بعد الاجتهاد، فإنه لا إعاده عليه، ولا نقول إنه يسقط عنه الاستقبال، بل يجب عليه الاستقبال و يتحرَّى بقدر استطاعته، فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبيَّن له الخطأ، فإنه لا يعيد صلاته، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة، كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء، فجاءهم رجل فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أُنزل عليه قرآن و أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فاستداروا، بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم، فاستداروا وبقوا في صلاتهم وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إنكار له،فيكون ذلك مشروعا، فإذا أخطأ الإنسان في القبلة جاهلا فإنه ليس عليه إعادة، ولكن إذا تبيَّن ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقيم إلى القبلة، فلو فرض أن إنسانا شرع يصلي إلى غير القبلة يظن أنها القبلة, فجاءه إنسان وقال له: القبلة عن يمينك أو يسارك، وجب عليه أن يستدير على اليمين أو على اليسار دون أن يستأنف الصلاة، لأنه في الأول كان عن اجتهاد وعن وجه شرعي فلا يبطل. فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، إلا في المواضع الثلاثة التي ذكرناها، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري.
وهنا مسألة: يجب على من نزل على شخص ضيفا و أراد أن يتنفَّل أن يسأل صاحب البيت عن القبلة، فإذا أخبره اتجه إليها، لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم، ويمنعه الحياء- وهو حياء في غير محله- عن السؤال عن القبلة. فبعض الناس يستحي من السؤال حتى لا يقول الناس لا يعرف! لا يضر، فليقولوا ما يقولونه، بل اسأل عن القبلة حتى يخبرك صاحب البيت. وأحيانا بعض الناس تأخذه العزة بالإثم أو الحياء، ويتجه بناءً على ظنه إلى جهة ما يتبيَّن له أنها ليست القبلة، وفي هذه الحال وجب عليه أن يعيد الصلاة، لأنه استند إلى غير مستند شرعي. والمستند إلى غير مستند شرعي لا تُقبل عبادته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) (221).



(219) أخرجه البخاري كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم رقم(7288) و مسلم كتاب الحج باب فرض الحج مرَّة في العمر، رقم(1337) .
(220) انظر صحيح البخاري كتاب الصلاة باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم(400) و صحيح مسلم كتاب صلاة المسافر باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت رقم(701،700) .
(221) تقدم تخرجه ص (19) .