أركان الإيمان : الإيمان برسل الله تعالى
 

قوله: ((وَرُسُلِهِ)) هذا هو الركن الرابع. الرسلُ هم البشر الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى الخلق وجعلهم واسطة بينه وبين عباده في تبيلغ شرائعه، وهم بشر خلقوا من أبٍ وأم، إلا عيسى ابن مريم- عليه الصلاة والسلام- فإن الله خلقه من أم بلا أب. أرسلهم الله سبحانه وتعالى رحمة بالعباد وإقامة للحجة عليهم، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ إلى قوله: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء:163ـ 165]. وهم عدد كثير، أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿إِنا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ وقد صحَّ في الصحيحين وغيرهما في حديث الشفاعة: (( أن الناس يوم القيامة يأتون إلى نوح فيقولون له: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض)) (267). أما دليل كون النبي- عليه الصلاة والسلام- آخر الرسل فهو قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40] وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنا خاتم النبيين)) (268). فعلينا أن نؤمن بأن جميع الرسل الذين أرسلهم الله صادقون فيما بلَّغوا به عن الله وفي رسالتهم.
- علينا أن نؤمن بأسماء من عُيِّنت أسماؤهم لنا ومن لم تُعيَّن أسماؤهم لنا،فإننا نؤمن بهم على سبيل الإجمال.
- علينا أيضا أن نؤمن أن ما من أمة إلا أرسل الله إليها رسولا لتقوم عليهم الحجة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر:24].
وعلينا أن نُصَدِّقَ بكل ما أخبرتْ به الرسل إذا صح عنهم من جهة النقل ونعلم أنه حق. وعلينا أن نتبع خاتمهم محمَّدًا صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي فرض علينا اتِّباعه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158]، فأمرنا الله تعالى باتباعه. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:31]، أما ما سواه من الرسل فإننا نتبعهم إذا ورد شرعنا بالأمر باتباعهم، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((أفضل الصلاة صلاة أخي داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثُلُثه وينام سُدُسه، وأفضل الصيام صيام أخي داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما)) (269)، فهذا حكاية لتعبد داود وتهجده في الليل، وكذلك صيامه، من أجل أن نتبعه فيه. أما إذا لم يرد شرعنا بالأمر باتباعه فقد اختلف العلماء- رحمهم الله- هل شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بالأمر بخلافه، أو أنه ليس بشرع لنا حتى يرد شرعنا بالأمر باتباعه؟ والصحيح أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بخلافه، لأنه تعالى لما ذكر الأنبياء والرسل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾[الأنعام:90]، فأمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدي من سبقه وقال الله تعالى:﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف:111]، وهذه آخر سورة يوسف التي قصَّ الله تعالى علينا قصته مطولة من أجل أن نعتبر بما فيها. ولهذا أخذ العلماء- رحمهم الله- من سورة يوسف فوائد كثيرة، في أحكام شرعية في القضاء وغيره، وأخذوا منها: العمل بالقرائن عند الحكم، لقوله تعالى:﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ( 26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف:27،26]، فقالوا: هذه قرينة، لأنه إذا كان القميص قُدَّ من قُبلٍ فالرجل هو الذي طلبها فقدَّت قميصَه، وإذا كان من دُبُر- من الخلف- فهي التي طلبته وجَرَّت قميصه حتى انقد، فهذه قرينة ثبت بها الحكم، والعلماء اعتمدوا هذه القرينة وإن كان في السنة ما يدل على الحكم بالقرائن في غير هذه المسألة. لكن القول الراجح في ((شرع من قبلنا أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه))، وللرُّسُل- عليهم الصلاة والسلام- علينا: أن نحبهم، وأن نعظمهم بما يستحقون، وأن نشهد بأنهم في الطبقة العليا من طبقات أهل الخير والصلاح، كما قال الله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾[النساء:69].



(267) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً﴾ رقم(6565)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (194).
(268) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه و سلم، رقم(3535)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين، رقم(2286). و في لفظ عند مسلم رقم (2287): ((جئت فختمت الأنبياء)) .
(269) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب من نام عند السحر، رقم (1131)، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به...، رقم (1159) .