61- الثاني: عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتْبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن)) (286) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
 
هذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية للمؤلف رحمه الله، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث وصايا عظيمة :الوصية الأولى: قال: ((اتَّقِ الله حيثما كنت)) وتقوى الله هي اجتناب المحارم وفعل الأوامر، هذه هي التقوى! أن تفعل ما أمرك الله به إخلاصا لله، واتِّباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تترك ما نهى الله عنه امتثالا لنهي الله- عز وجل- وتنزُّها عن محارم الله، فتقوم بما أوجب الله عليك في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة، فتأتي بها كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بالمكملات، فمن أخلَّ بشيء من شروط الصلاة أو واجباتها أوأركانها فإنه لم يتَّقِ الله، بل نَقَصَ من تقواه بقدر ما ترك ما أمر الله به في صلاته، وفي الزكاة تقوى الله فيها أن تُحصي جميع أموالك التي فيها الزكاة وتُخرج زكاتك طيبة بها نفسك من غير بُخلٍ ولا تقتيرٍ ولا تأخير، فمن لم يفعل فإنه لم يتَّقِ الله. وفي الصيام تأتي بالصوم كما أُمرت، مجتنبا فيه اللغو والرفث والصَّخب والغيبة والنميمة، وغير ذلك مما ينقص الصوم ويُزيلُ روح الصوم ومعناه الحقيقي، وهو الصوم عما حرَّمَ الله عز وجل. وهكذا بقية الواجبات تقوم بها طاعةً لله، وامتثالا لأمره، وإخلاصا له، واتباعا لرسوله، وكذلك في المنهيّات تترك ما نهى الله عنه، امتثالا لنهي الله- عز وجل - حيث نهاك فانتهِ. الوصية الثانية: ((أتبعِ السيئةَ الحسَنةَ تمحُها)) أي: إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة، فإن الحسنات يُذهِبْنَ السيئات، ومن الحسنات بعد السيئات أن تتوب إلى الله من السيئات فإن التوبة من أفضل الحسنات، كما قال الله عز وجل:﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[البقرة:222]، وقال الله تعالى:﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31]. وكذلك الأعمال الصالحة تكَفِّر السيئات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)) (287). وقال: (( العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما)) (288) فالحسنات يُذْهِبْنَ السيئات. الوصية الثالثة: ((خالقِ الناسَ بخُلقٍ حَسَن))! الوصيتان الأوليتان في معاملة الخالق، والثالثة في معاملة الخلق، أن تعاملهم بخلق حسن تُحمَدُ عليه ولا تُذَمُّ فيه، وذلك بطلاقة الوجه، وصدق القول، وحسن المخاطبة، وغير ذلك من الأخلاق الحسنة. وقد جاءت النصوص الكثيرة في فضل الخلق الحسن، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا)) (289)، وأخبر أن أَوْلَى الناس به صلى الله عليه وسلم و أقربهم منه منزلةً يوم القيامة أحاسنهم أخلاقا (290) . فالأخلاق الحسنة مع كونها مَسْلكًا حسنا في المجتمع ويكون صاحبها محبوبا إلى الناس فيها أجر عظيم يناله الإنسان يوم القيامة. فاحفظ هذه الوصايا الثلاث من النبي صلى الله عليه وسلم اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخُلقٍ حسن. والله الموفِّق.


(286) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم(1987)، و الإمام أحمد في المسند(5م228،158،153) ، و الحاكم في المستدرك(1/54)، وقال:صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، و وافقه الذهبي .وقال الترمذي: حسن صحيح .
(287) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إلى رمضان...، رقم(233).
(288) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة و فضلها، رقم(1773)، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج و العمرة و يوم عرفة، رقم(1349).
(289) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان و زيادته و نقصانه، رقم(2612)، والإمام أحمد في المسند،(6/47) من حديث عائشة، و قال الترمذي: حديث صحيح، و أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب الدليل على زيادة الإيمان و نقصانه، رقم(4682)، والحديث صحَّحه الألباني كما في صحيح الجامع، رقم(1232،1231،1230) .
(290) رواه الترمذي، كتاب الأدب، باب حسن الخلق و السخاء و ما يكره من البخل، رقم(6035).

الموضوع التالي


62- الثالث: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كنتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: ((يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء،لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف)) (291) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يَعرِفُكَ في الشدَّة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن لِيُصيبك، وما أصابك لم يكن لِيُخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرا)).

الموضوع السابق


علامات الساعة