64- الخامس: عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه)) (298) متفق عليه. والغيرة: بفتح الغين وأصلها: الأنفة.
 
قال المؤلف- رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يَغَار وغَيْرَةُ الله تعالى ان يأتي المرء ما حرم الله)). قوله: ((محارمه)) أي: محارم الله. والغيرة صفة حقيقية ثابتة لله- عز وجل - ولكنها ليست كغَيرتنا، بل هي أعظمُ وأجلُّ، والله- سبحانه وتعالى - بحكمته أوجب على العباد أشياء، وحرَّم عليهم أشياء، وأحلَّ لهم أشياء. فما أوجبه عليهم فهو خير لهم في دينهم ودنياهم، وفي حاضرهم ومستقبلهم، وما حرَّمه عليهم فإنه شر لهم في دينهم ودنياهم، وحاضرهم ومستقبلهم، فإذا حرَّم الله على عباده أشياء فإنه- عز وجل - يغار أن يأتي الإنسان محارمه، وكيف يأتي الإنسان محارم ربه والله- سبحانه وتعالى - إنما حرمها من أجل مصلحة العبد، أما الله- سبحانه وتعالى - فلا يضره أن يعصي الإنسان ربه، لكن يغار كيف يعلم الإنسان أن الله سبحانه حكيم، ورحيم، ولا يحرم على عباده شيئا بخلا منه عليهم به، ولكن من أجل مصلحتهم، ثم يأتي العبد فيتقدم فيعصي الله- عز وجل - ولا سيما في الزنا - نسأل الله العافية - فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمَتُه)) (299) لأن الزنا فاحشة، والزنا طريق سافل سيء، ومن ثم حرم الله على عباده الزنا وجميع وسائله، كما قال الله سبحانه: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾[الإسراء:32]، فإذا زنى العبد- والعياذ بالله- فإن الله يغار غيرة أشد وأعظم من غيرته على ما دونه من المحارم. وكذلك أيضا- ومن باب أولى وأشد- اللواط، وهو إتيان الذكر، فإن هذا أعظم وأعظم، ولهذا جعله الله تعالى أشد في الفحش من الزنا. فقال لوط لقومه: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:80]. قال هنا: (الفاحشة) وفي الزنا قال: (فاحشة) أي: فاحشة من الفواحش، أما اللواط فجعله الفاحشة العظمى نسأل الله العافية. وكذلك أيضا السرقة وشرب الخمر وكل المحارم يغار الله منها، لكن بعض المحارم تكون أشد غيرةً من بعض، حسب الجرم، وحسب المضار التي تترتب على ذلك. وفي هذا الحديث: إثبات الغيرة لله تعالى، وسبيل أهل السنة والجماعة فيه وفي غيره من آيات الصفات وأحاديث الصفات أنهم يثبتونها لله- سبحانه وتعالى - على الوجه اللائق به، يقولون: إن الله يغار لكن ليس كغيرة المخلوق، وإن الله يفرح ولكن ليس كفرح المخلوق، وإن الله- سبحانه وتعالى - له من الصفات الكاملة ما يليق به، ولا تشبه صفات المخلوقين﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]. والله الموفق.


(298) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، رقم(5223) ،ومسلم، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، رقم(2761).
(299) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، رقم(5221)، ومسلم ،كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، رقم(901).

الموضوع التالي


65- السادس: عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملَكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنِّي الذي قد قذرني الناس، فمَسَحَهُ، فذهب عنه قذره، وأُعطي لونا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل - أو قال البقر - شك الراوي - فأُعطي ناقة عُشَراء، فقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شَعْرٌ حسن، ويذهب عنِّي هذا الذي قذرني الناس، فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعرًا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك، قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، وقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يَرُدَّ الله إليَّ بصري فأُبصر الناس. فمسحه، فردَّ الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدًا. فأنتج هذان، وولَّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرا أتبلَّغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال. كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرُكَ الناس، فقيرا فأعطاك الله!؟ فقال: إنما ورِثْتُ هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا في دعواك فصيَّرك الله إلى ما كنت. وأتى الأقرع في صورته و هيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردَّ عليه مثل ما ردَّ هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيَّرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاةً أتبلَّغُ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهَدُكَ اليوم بشيء أخذته لله عز وجل. فقال: أمسِك مالَك فإنما ابتُليتُم، فقد رُضي عنك، وسُخِطَ على صاحبيك)) (300) متفق عليه. والناقة العشَرَاءُ)) بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامل. قوله: ((أُنتِج)) وفي رواية (( فنَتَجَ)) معناه: تولَّى نتاجها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة. وقوله: ((ولِّدَ هذا)) هو بتشديد اللام: أي: تولَّى ولادتها، وهو بمعنى أنتج في الناقة. فالموَلِّدُ، والناتجُ، والقابلة بمعنى، لكن هذا للحيوان وذاك لغيره. قوله: ((انقطعت بي الحبال)) هو بالحاء المهملة والباء الموحدة: أي الأسباب. وقوله: ((لا أجهدُك)) معناه: لا أشقُّ عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي. وفي رواية البخاري ((لا أحمَدُكَ)) بالحاء المهملة والميم، ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه، كما قالوا: ليس على طولِ الحياة ندم، أي على فواتِ طُولها.