69_ وأما الأحاديث فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، مَنْ أكرم الناس، قال: ((أتقاهم)) فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال ((فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (313). متفق عليه. و ((فقهوا)) بضم القاف على المشهور، وحكي كسرها، أي:عَلِموا أحكام الشرع.
 
قوله: من أكرم الناس؟ قال: ((أتقاهم)) يعني أن أكرم الناس أتقاهم لله عز وجل وهذا الجواب مطابق تماما لقوله تعالى:﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:13]، فالله- سبحانه وتعالى - لا ينظر إلى الناس من حيث النسب، ولا من حيث الحسب، ولا من حيث المال، ولا من حيث الجمال، و إنما ينظر سبحانه إلى إلا عمال، فأكرم الناس عنده أتقاهم له؛ و لهذا يَمُدُّ أهل التقوى بما يَمُدُّهم به من الكرامات الظاهرة أو الباطنة، لأنهم هم أكرم خلقه عنده، ففي هذا حث على تقوى الله عز وجل، وأنه كلما كان الإنسان أتقى لله فهو أكرم خلقه عنده، ولكن الصحابة لا يريدون بهذا السؤال الأكرم عند الله! ((قالوا: لسنا عن هذا نسألك)) ثم ذكر لهم أن أكرم الخلق يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإنه_ عليه الصلات والسلام _ كان نبيا من سلالة الأنبياء، فكان من أكرم الخلق. ((قالوا: لسنا عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ )) معادن العرب يعني أصولهم وأنسابهم! ((خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهُوا)) يعني أن أكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هم الخيار في الجاهلية، لكن بشرط إذا فقهوا. فمثلا بنو هاشم من المعروف هم خيار قريش في الإسلام، لكن بشرط أن يفقهوا في دين الله، وأن يتعلَّموا من دين الله، فإن لم يكونوا فقهاء فإنهم - وإن كانوا من خيار العرب معدنا- فإنهم ليسو أكرم الخلق عند الله، وليسوا خيار الخلق. ففي هذا دليل على أن الإنسان يُشَرَّفُ بنسبه، لكن بشرط أن يكون لديه فقهٌ في دينه، ولا شك أن النسب له أثر، ولهذا كان بنو هاشم أطيب الناس و أشرفهم نسبا، ومن ثَمَّ كان منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف الخلق ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[الأنعام:124]، فلولا أن هذا البطن من بني آدم أشرف البطون، ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في أشرف البطون وأعلى الأنساب، والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن أكرم الخلق أتقاهم لله. فإذا كنت تريد أن تكون كريما عند الله وذا منزلة عنده، فعليك بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله أتقى كان عنده أكرم. أسال الله أن يجعلني وإياكم من المتقين.


)313 ( أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الإنبياء، باب قول الله تعالى﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾،رقم(3353)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم رقم(2378) .

الموضوع السابق


التقوى اسم مأخوذ من الوقاية، وهو أن يتخذ الإنسان ما يَقِيه من عذاب الله. والذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله ،واجتناب نواهيه ،فإن هذا هو الذي يقي من عذاب الله عز وجل، أن تأخذ أوامر الله وأن تترك ما نهى عنه. واعلم أن التقوى أحيانا تقترن بالبر، فيقال بر وتقوى كما في قوله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة:2]. وتارة تُذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر واجتناب النواهي. وإذا أفردت صارت شاملة؛ تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي، وقد ذكر الله - تعالى - في كتابه أن الجنة أُعدَّت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة- جعلنا الله منهم - ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل، امتثالا لأمره وطلبا لثوابه والنجاة من عقابه. ثم ذكر المؤلف آيات متعددة فقال رحمه الله: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران:102]. وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾ [الأحزاب:70]، والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:3،2]، وقال تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال:29]، والآيات في الباب كثيرة ومعلومة.