80- السابع: عن أبي عِمَارَةَ البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا فُلان، إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإنك إن متَّ من ليلتك مِتَّ على الفطرة، وإن أصبحت أصبتَ خيرا)))331) متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين)332) عن البراء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: وذَكَرَ نحوه، ثم قال: واجعَلْهُنَّ آخر ما تقول)).
 
ثم ذكر المؤلف- في باب اليقين والتوكل - حديث البراء ابن عازب رضي الله عنهما، حيث أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عند نومه، إذا أوى إلى فراشه، أن يقول هذا الذِّكر، الذي يتضمَّن تفويض الإنسان أمره إلى ربه، وأنه مُعتمد على الله في ظاهره وباطنه، مفوِّض أمره إليه. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَره أن يضجع إلى الجنب الأيمن، لأن ذلك هو الأفضل، وقد ذكر الأطباء أن النوم على الجنب الأيمن أفضل للبدن، وأصح من النوم على الجنب الأيسر. وذكر أيضا بعض أرباب السلوك والاستقامة، أنه أقرب في استيقاظ الإنسان، لأن بالنوم على الجنب الأيسر ينام القلب، ولا يستيقظ بسرعة، بخلاف النوم على الجنب الأيمن، فإنه يبقى القلب متعلِّقًا، ويكون أقل عمقًا في منامه فيستيقظ بسرعة. وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعلهن آخر ما يقول، مع أن هناك ذكرًا بل أذكارًا عند النوم تقال غير هذه، مثلا: التَسبيح و التَّحميد، والتَّكبير، فإنه ينبغي للإنسان إذا نام على فراشه أن يقول: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين، هذا من الذكر، لكن حديث البراء- رضي الله عنه- يدل على أن ما أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم به أن يجعلهن آخر ما يقول. وقد أعاد البراء بن عازب- رضي الله عنه- هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتقنه، فقال: ((آمنْتُ بكِتابِكَ الذي أنْزَلتَ ورَسولِك الذي أرْسلْت)) فردَّ عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال قل: ((ونَبِيَّك الذي أرسَلْتَ)) ولا تقل: ((ورسولك الذي أرسَلت)). قال أهل العلم: وذلك لأن الرسول يكون من البشر ويكون من الملائكة، كما قال الله عن جبريل: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾[التكوير:20،19]، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون إلا من البشر. فإذا قال: ((ورَسولِك الذي أرْسَلتَ)) فإن اللفظ صالح، لأن يكون المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، لكن إذا قال: ((ونبيك الذي أرسلت)) اختصَّ بمحمد صلى الله عليه وسلم، هذا من وجه، ومن وجه آخر: أنه إذا قال: ((ورسولك الذي أرسلت)) فإن دلالة هذا اللفظ على النُّبوَّة من باب دلالة الالتزام، وأما إذا قال: ((نبيك)) فإنه يدل على النبوة دلالة مطابقة، ومعلوم أن دلالة المطابقة أقوى من دلالة الالتزام. الشاهد من هذا الحديث قوله: ((وفوّضتُ أمْري إليكَ)) وقوله: (( لا ملجَأ ولا منجا منك إلا إليك)) فإن التوكل: تفويض الإنسان أمره إلى ربه، وأنه لا يلجأ ولا يطلب منجا من الله إلا إلى الله عز وجل، لأنه إذا أراد الله بقوم سُوءًا فلا مَردَّ له، فإذا أراد الله بالإنسان شيئا فلا مرد له إلا الله عز وجل، يعني: إلا أن تلجأ إلى ربك- سبحانه وتعالى - بالرجوع إليه. فينبغي للإنسان إذا أراد النوم أن ينام على جنبه الأيمن، وأن يقول هذا الذكر، وأن يجعله آخر ما يقول. والله الموفق.