85_ وعن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله قُل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)) (336) رواه مسلم.
 
قوله: ((قُلْ لي في الإسلام قَوْلاً لا أسأَلُ عَنهُ أحداً غيرك)) أي: قل لي قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، فيكون فصلا وحاسما، ولا يحتاج إلى سؤال أحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ: آمنتُ باللهِ ثمَّ اسْتقِم)). فقوله عليه الصلاة والسلام: ((قُلْ: آمنْتُ)) ليس المراد بذلك مجرد القول باللسان، فإن من الناس من يقول: آمنت بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا. أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقِرَّ ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادًا جازما لا شك فيه، لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لا بد من الإيمان بالقلب واللسان، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام_ يقول وهو يدعو الناس إلى الإسلام _ يقول: ((يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))(337) فقال: ((قولوا)) أي: بألسنتكم. كما أنه لا بد من القول بالقلب. وقوله: ((آمنْتُ بِالله)) يشمل الإيمان بوجود الله عزَّ وجلَّ، وبِرُبُوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكُلِّ ما يأتي من قبله_ عز وجل _ تؤمن به، فإذا آمنت بذلك فاستقم على دين الله، ولا تحد عنه لا يمينًا ولا شمالاً، لا تقصر ولا تزد. فاستقم على الدين، واستقم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وذلك بالإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقم على الصلاة، وعلى الزكاة، والصيام والحج، وعلى جميع شريعة الله. وقوله: ((قُلْ آمنْتُ بالله ثُمَّ)) دليل على أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط الأعمال الصالحة، أي: من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنيةً على الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكنَّ باطنه خراب، وفي شك، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإن ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء_ رحمهم الله_ على أنَّ من شروط صحَّة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنا بالله، أي: معتَرِفا به، وبجميع ما جاء من قِبله تبارك وتعالى. ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان_ إذا قام بعمل _ أن يَشْعُر بأنه قام به لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم على دين الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل. فيشعرُ بأنه يقوم به لله، أي مُخلصًا، وبالله، أي مستعينًا، وفي الله، أي متبعًا لشرعه، وهذه مُسْتَفَادة من قوله تبارك وتعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه، أي: في شرعه،ولهذا نقول: إن المراد بالصراط المستقيم - في الآية الكريمة - هو شرع الله عزَّ وجلَّ الموصلُ إليه. والله الموفق.



(336) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقم (38) .
(337) أخرجه ابن خزيمة، رقم (159)، والبيهقي (1/76)، و الحاكم في المستدرك(2/612) و قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي: صحيح .

الموضوع التالي


86_ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِهِ)) قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال: ((و لا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه و فضل)) (338) رواه مسلم. و((المقاربة)) القصد الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير. و((السداد)): الاستقامة والإصابة، و( يتغمدني)) يُلبِسَني ويستُرني. قال العلماء: معنى الاستقامة: لُزُومُ طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع الكلم، وَهِيَ نظام الأمور، وبالله التوفيق.

الموضوع السابق


قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود:112]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت:32،30]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأحقاف:13، 14] .