108 ـ الرابع عشر : عن أبي صفوان عبد الله بن بشر الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ) رواه الترمذي(79) . وقال : حديث حسن . ( بسر) بضم الباء ، وبالسين المهملة .
 
أما حديث عبد الله بن بسر ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ) لأن الإنسان كلما طال عمره في طاعة الله زاد قرباً إلى الله وزاد رفعة في الآخرة ؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه إلى ربه ـ عز وجل ـ فخير الناس من وفق لهذين الأمرين .
أما طول العمر فإنه من الله ، وليس للإنسان فيه تصرف ؛ لأن الأعمار بيد الله ـ عز وجل ـ ، وأما حسن العمل ؛ فإن بإمكان الإنسان أن يحسن عمله ؛ لأن الله تعالى جعل له عقلاً ، وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، وبين المحجة ، وأقام الحجة ، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً ، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر ، وذلك مثل صلة الرحم ؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه )(80) ، وصلة الرحـم من أسباب طول العمر ، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله ؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله ، من أجل أن يكون من خير الناس .
وفي هذا دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا أحسن عمله ؛ لأنه أحياناً يكون طول العمر شراً للإنسان وضرراً عليه ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران:178) ، فهؤلاء الكفار يملى الله لهم ـ أي يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات ، لا لخير لهم ولكنه شر لهم ـ والعياذ بالله لأنهم سوف يزدادون بذلك إثماً .
ومن ثم كره بعض العلماء أن يدعى للإنسان بطول البقاء ، قال : لا تقل : أطال الله بقاءك إلا مقيداً ؛ قل أطال الله بقاءك على طاعته ؛ لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان . نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله ، وحسنت خاتمته وعافيته ، إنه جواد كريم .


(79) أخرجه الترمذي ، كتاب الزهد ، باب منه رقم (2330) ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
(80) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب من أحب البسط في الرزق ، رقم ( 2067) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ، رقم (2557) .

الموضوع التالي


109 ـ الخامس عشر : عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : غاب عمي أنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع .فلما كان يوم أحد أنكشف المسلمون ، فقال : اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني أصحابه ـ وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، أني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركين ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، قال أنس : كنا نرى ، أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) إلى آخرها . متفق عليه(81) . قوله : ( ليرين الله ) رؤى بضم الياء وكسر الراء ؛ أي: ليظهرن الله ذلك للناس ، وروي بفتحهما ، معناه ظاهر ، والله أعلم .