118 ـ الثاني : عن أبي ذر أيضاً ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقه ، وكل تهليله صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) رواه مسلم (107). ( السلامى ) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفصل .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله في باب كثرة طرق الخيرات ، فيما نقله عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ) السلامى هي العظام ، أو مفاصل العظام ، يعني أنه يصبح كل يوم على كل واحد من الناس صدقة في كل عضو من أعضائه ، في كل مفصل من مفاصله ، قالوا : والبدن فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً ، ما بين صغير وكبير ، فيصبح على كل إنسان كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة .
ولكن هذا الصدقات ليست صدقات مالية ، بل هي عامة ، كل أبواب الخير صدقة ، كل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك إذا أعنت الرجل في دابته وحملته عليها أو رفعت له عليها متعة فهو صدقة )(108) كل شيء صدقة ، قراءة القرآن صدقة ، طلب العلم صدقة ، وحينئذ تكثر الصدقات ، ويمكن أن يأتي الإنسان بما عليه من الصدقات ، وهي ثلاثمائة وستون صدقة .
ثم قال : ( ويجزى من ذلك ) ، يعني : عن ذلك ( ركعتان يركعهما من الضحى ) يعني أنك صليت من الضحى ركعتين ؛ أجزأت عن كل الصدقات التي عليك ، وهذا من تيسير الله ـ عز وجل ـ على العباد .
وفي الحديث دليل على أن الصدقة تطلق على ما ليس بمال .
وفيه أيضاً دليل على أن ركعتي الضحى سنة ، سنة كل يوم ، لأنه إذا كان كل يوم عليك صدقة على كل عضو من أعضائك ، وكانت الركعتان تجزي ، فهذا يقضي أن صلاة الضحى سنة كل يوم ، من أجل أن تقضي الصدقات التي عليك .
قال أهل العلم : وسنة الضحى يبتدئ وقتها مع ارتفاع الشمس قدر رمح ، يعني حوالي ربع إلى ثلث ساعة بعد الطلوع ، إلى قبيل الزوال ، أي إلى قبل الزوال بعشر دقائق ، كل هذا وقت لصلاة الضحى ، في أي وقت فيه تصلى ركعتي الضحى ، ما بين ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال ، فإنه يجزي لكن الأفضل أن تكون في آخر الوقت ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )(109) ، يعني حين تقوم الفصال من الرمضاء لشدة حرارتها ؛ ولهذا قال العلماء : إن تأخير ركعتي الضحى إلى آخر الوقت أفضل من تقديمها ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن تؤخر صلاة العشاء إلى آخر الوقت ، إلا مع المشقة .
فالحاصل أن الإنسان قد فتح الله له أبواب طرق الخير كثيرة ، وكل شيء يفعله الإنسان من هذه الطرق ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة . والله الموفق .



(107) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب صلاة الضحى ، رقم (720) .
(108) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد ، باب من أخذ بالركاب ونحوه ، رقم (2989) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ، رقم ( 1009) .
(109) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب الأوابيين رقم ( 748) .

الموضوع السابق


117 ـ الأول : عن أبى ذر جندب بن جنادة ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله ) قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال : ( أنفسها عند أهلها ، وأكثرها ثمناً ) ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعاً ، أو تصنع لأخرق ). قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : تكف شرك عن الناس ؛ فإنها صدقة على نفسك ) متفق عليه(104) . ( الصانع ) بالصاد المهملة ، هذا هو المشهور ، وروي : (ضائعاً ) بالمعجمة أي ذا ضياع من فقر أو عيال ، ونحو ذلك ، و( الأخرق ) : الذي لا يتقن ما يحاول فعله .