119 ـ الثالث : عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عرضت علي أعمال أمتي ، حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ) رواه مسلم (110).
 
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها ) عرضت علي : يعني بلغت عنها ، وبينت لي ، والذي بينها له هو الله ـ عز وجل ـ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يحلل ويحرم ويوجب ، فعرض الله ـ عز وجل ـ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المحاسن والمساوئ من أعمال الأمة ، فوجد من محاسنها : الأذى يماط عن الطريق ، ويماط : يعني يزال ، والأذى ما يؤذي المارة ؛ من شوك ، وأعواد ، وأحجار ، وزجاج ، وأرواث ، وغير ذلك . كل ما يؤذي فإماطته من محاسن الأعمال .
وقد بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، فهو من محاسن الأعمال ، وفيه ثواب الصدقة ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم : أن ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان )(111) ، فإذا وجدت في الطريق أذى فأماطته ؛ فإن ذلك من محاسن أعمالك ، وهو صدقة لك ، وهو من خصال الإيمان وشعب الإيمان .
وإذا كان هذا من المحاسن ومن الصدقات ، فإن وضع الأذى في طريق المسلمين من مساوئ الأعمال ، فهؤلاء الناس الذين يلقون القشور في الأسواق ، في ممرات الناس ؛ لاشك أنهم إذا آذوا المسلمين فإنهم مأزورون ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) قال العلماء : لو زلق به حيوان أو إنسان فانكسر ، فعلى من وضعه ضمانه ، يضمنه بالدية أو بما دون الدية إذ كان لا يحتمل الدية ، المهم أن هذا من أذية المسلمين .
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الناس من إراقة المياه في الأسواق فتؤذي الناس ، وربما السيارات من عندها، فتفسد على الإنسان ثيابه ، وربما يكون فيها فساد لا شك للإسفلت ؛ لأن الإسفلت كلما أتى عليه الماء وتكرر ؛ فإنه يذوب ويفسد .
فالمهم أننا ـ مع الأسف الشديد ونحن أمة مسلمة ـ لا تبالي بهذه الأمور ، وكأنها لا شيء ، يلقى الإنسان الأذى في الأسواق ، ولا يهتم بذلك ، يكسر الزجاجات في الأسواق ، ولا يهتم بذلك ، الأعواد يلقيها ؛ لا يهتم بذلك ، حجر يضعه لا يهتم بذلك ، إذن يستحب لنا كلما رأينا ما يؤذي أن نزيله عن الطريق ؛ لأن ذلك صدقة ، ومن محاسن الأعمال .
ثم قال : ( ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ) النخاعة يعني النخامة ، وسميت بذلك لأنها تخرج من النخاع ، النخامة تكون في المسجد لا تدفن ؛ لأن المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مفروش بالحصباء ، بالحصى الصغار ، فالنخامة تدفن في التراب ، أما عندنا الآن فليس هناك تراب ، ولكن إذا وجدت فإنها تحك بالمنديل حتى تذهب ، واعلم أن النخامة في المسجد حرام ، فمن تنخع في المسجد فقد أثم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البصاق في المسجد خطيئة ) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنها خطيئة وكفارتها دفنها ، يعني إذا فعلها الإنسان وأراد أن يتوب فليدفنها ، لكن في عهدنا : فليحكها بمنديل أو نحوه حتى تزول .
وإذا كانت هذه النخاعة ، فما بالك بما هو أعظم منها ، مثل ما كان فيما مضى ، حيث يدخل الإنسان المسجد بحذائه ولم يقلبها ويفتش فيها ، ويكون فيها الروث الذي ينزل إلى المسجد ، فيتلوث به فأنت اعتبر بالنخامة ، ما هو مثلها في أذية المسجد ، أو أعظم منها ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس تكون معه المناديل الخفيفة ، ثم يتنخع فيها ويرمي بها في أرض المسجد ، هذا أذى ، ولا شك أن النفوس تتقزز إذا رأت مثل ذلك ، فكيف إذا كان ذلك في بيت من بيوت الله ، فإذا تنخعت في منديل ، فضعه في جيبك ، حتى تخرج فترمي به فيما أعد لذلك ، على ألا تؤذي به أحداً . والله الموفق .


(110) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب النهي عن البصاق في المسجد رقم (553) .
(111) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أمور الإيمان ، رقم (9) ، ومسلم كتاب الإيمان باب شعب الإيمان ، رقم (35) .

الموضوع التالي


120 ـ الرابع : عنه : أن ناساً قالوا يا رسول الله : ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحه صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة ) قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) رواه مسلم(112) . ( الدثور ) بالثاء المثلثة : الأموال ، وأحدها دثر .