125 ـ التاسع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة : فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه(120). ( البضع ) من ثلاثة إلى تسعة بكسر الباء وقد تفتح . ( والشعبة ) : القطعة .
 
هذا الحديث بين فيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن الإيمان ليس خصلة واحدة ، أو شعبة واحدة ، ولكنه شعب كثيرة ؛ بضع وسبعون ، يعني من ثلاث وسبعين إلى تسع وسبعين ، أو بضع وستون شعبة ، ولكن أفضها كلمة واحدة : وهي لا إله إلا الله ، هذه الكلمة لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بها ، لأنها كلمة الإخلاص ، وكلمة التوحيد، الكلمة التي سأل الله أن يختم لي ولكم بها ، من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة . هذه الكلمة هي أفضل شعب الإيمان ، ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، يعني إزالة الأذى عن الطريق ، وهو كل ما يؤذي المارين ، من حجر ، أو شوك ، أو زجاج ، أو خرق ، أو غير ذلك ، كل ما يؤذي المارين إذا أزلته فإن ذلك من الإيمان .
(والحياء شعبة من الإيمان ) وفي حديث آخر : ( الحياء من الإيمان )(121). والحياء : حالة نفسية تعتري الإنسان عند فعل ما يخجل منه ، وهي صفة حميدة كانت خلق النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكان من خلقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الحياء ، حتى أنه كان أكثر حياء من العذراء في خدرها ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلا أنه لا يستحي من الحق .
فالحياء صفة محمودة ، لكن الحق لا يستحي منه ، فإن الله يقول : ( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) (الأحزاب:53) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) (البقرة:26) الحق لا يستحي منه ، ولكن ما سوى الحق فإن من الأخلاق الحميدة أن تكون حيياً ، ضد ذلك من لا يستحي ، فلا يبالي بما فعل ، ولا يبالي بما قال . ولهذا جاء في الحديث : ( إن مما أردك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت )(122). والله الموفق .


(120) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أمور الإيمان رقم (9) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب شعب الإيمان رقم (35) .
(121) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان باب الحياء من الإيمان ، رقم (24) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب شعب الإيمان رقم (36) .
(122) أخرجه لبخاري ، كتاب الأدب باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ، رقم (6120) .

الموضوع التالي


126 ـ العاشر : عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً ، فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه ، حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر له ، فغفر له قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً فقال في كل كبدٍ رطبةٍ أجر ) متفق عليه(123) . وفي رواية للبخاري : ( فشكر الله له ، فغفر له ، فأدخله الجنة ) . وفي روايى لهما : ( بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها فاسقت له به ، فسقته فغفر لها به ) . ( الموق ) : الخف . و( يطيف ) يدور حول (ركية ) وهي البئر .