127 ـ الحادي عشر : عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد أريت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) . رواه مسلم (127). وفي رواية : ( مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة )(128) . وفي رواية لهما : ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخـره فشكر الله له فغفر له)(129).
 
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لقد أريت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) . وفي الرواية الأخرى : أنه دخل الجنة ، وغفر الله له بسبب غصن أزاله عن طريق المسلمين ، وسواء كان هذا الغصن من فوق ، يؤذيهم من عند رؤوسهم ، أو من أسفل يؤذيهم من جهة أرجلهم . المهم أنه غصن شوك يؤذي المسلمين فأزاله عن الطريق ، أبعده ونحاه ، فشكر الله له ذلك ، وأدخله الجنة ، مع أن هذا الغصن إذا آذى المسلمين فإنما يؤذيهم في أبدانهم ، ومع ذلك غفر الله لهذا الرجل ، وأدخله الجنة. ففيه دليل على فضيلة إزالة الأذى عن الطريق ، وأنه سبب لدخول الجنة .
وفيه أيضاً دليل على أن الجنة موجودة الآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الرجل يتقلب فيها ، وهذا أمر دل عليه الكتاب والسنة ، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة ؛ أن الجنة موجودة الآن ، ولهذا قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) ، أعدت : يعني هيئت . وهذا دليل على أنها موجودة الآن ، كما أن النار أيضاً موجودة الآن ، ولا تفنيان أبداً . خلقهما الله ـ عز وجل ـ للبقاء ، لا فناء لهما ، ومن دخلهما لا يفنى أيضاً ، فمن كان من أهل الجنة بقى فيها خالداً مخلداً فيها أبد الآبدين . ومن كان من أهل النار من الكفار دخلها خالداً مخلداً فيها أبداً الآبدين .
وهذا الحديث دليل على أن من أزال عن المسلمين الأذى فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيً ، فكيف بالأمر المعنوي ؟ هناك بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ أهل شر وبلاء ، وأفكار خبيثة ، وأخلاق سيئة ، يصدون الناس عن دين الله ، فإزالة هؤلاء عن طريق المسلمين أفضل بكثير وأعظم أجراً عند الله . فإذا أزيل أذى هؤلاء ، إذا كانوا أصحاب أفكار خبيثة سيئة إلحادية ، يرد عليها ، وتبطل أفكارهم .
فإن لم يجد ذلك شيئاً قطعت أعناقهم ، لأن الله يقول في كتابه العزيز : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33) ، و( أو ) هنا قال بعض العلماء : إنها للتنويع ، يعني أنهم يقتلون ويصلبون وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض حسب جريمتهم .
وقال بعض أهل العلم : بل إن (أو) هنا للتخيير ، أي أن ولي الأمر مخير : أن شاء قتلهم وصلبهم ، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن شاء نفاهم من الأرض ، حسب ما يرى فيه المصلحة ، وهذا القول قول جيد جداً ؛ اعني أن تكون ( أو) هنا للتخيير لأنه ربما يكون هذا الإنسان جرمه ظاهر سهل ، ولكنه على المدى البعيد يكون صعباً ، ويكون مضلاً للأمة . فهنا مثلاً هل نقول لولي الأمر أن جرم هذا الإنسان سهل . أنفه من الأرض ، أطرده يكفي ، أو اقطع يده اليمنى ورجله اليسرى يكفي ، قد يقول لا يكفي ؛ هذا أمر يخشى منه في المستقبل ، هذا لا يكفي المسلمين شره إلا أن أقتله ؛ نقول : نعم لك ذلك . فكون ( أو) هنا للتخيير أقرب للصواب من كونها تنزل على حسب الجريمة .
والواجب على ولاة الأمور أن يزيلوا الأذى عن طريق المسلمين ، أي أن يزيلوا كل داعية إلى شر ، أو إلى إلحاد ، أو إلى مجون ، أو إلى فسوق بحيث يمنع من نشر ما يريد من أي شيء كان من الشر والفساد ، وهذا هو الواجب .
ولكن لا شك أن ولاة الأمور الذين ولاهم الله على المسلمين في بعضهم تقصير ، وفي بعضهم تهاون . يتهاونون بالأمر في أوله حتى ينمو ويزداد ، وحينئذ يعجزون عن صده . فالواجب أن يقابل الشر من أول أمره بقطع دابره ، حتى لا ينتشر ولا يضل الناس به .
المهم أن إزالة الأذى عن الطريق ، والطريق الحسي ،طريق الأقدام ، والطريق المعنوي ، طريق القلوب ، والعمل على إزالة الأذى عن هذا الطريق كله مما يقرب إلى الله . وإزالة الأذى عن طريق القلوب ، والعمل الصالح أعظم أجراً ، وأشد إلحاحاً من إزالة الأذى عن طريق الأقدام . والله الموفق .



وأخرجه أحمد في المسند (3/13) .
(127) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق ، رقم ( 1914م) .
(128) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق رقم ( 1914م) .
(129) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب فضل التهجير إلى الظهر ، رقم (652) ، ومسلم كتاب البر والصلة ، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق رقم ( 1914م ) .

الموضوع السابق


126 ـ العاشر : عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً ، فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه ، حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر له ، فغفر له قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً فقال في كل كبدٍ رطبةٍ أجر ) متفق عليه(123) . وفي رواية للبخاري : ( فشكر الله له ، فغفر له ، فأدخله الجنة ) . وفي روايى لهما : ( بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها فاسقت له به ، فسقته فغفر لها به ) . ( الموق ) : الخف . و( يطيف ) يدور حول (ركية ) وهي البئر .