132 ـ السادس عشر : عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى البردين دخل الجنة ) متفق عليه(141) . ( البردان ) الصبح والعصر . 133 ـ السابع عشر : عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) رواه البخاري(142).
 
نقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى البردين دخل الجنة ) .
البردان : هما صلاة الفجر وصلاة العصر ، وذلك لأن صلاة الفجر تقع في أبرد ما يكون من الليل ، وصلاة العصر تقع في أبرد ما يكون من النهار بعد الزوال ، من صلاهما دخل الجنة ، يعني أن المحافظة على هاتين الصلاتين وإقامتهما من أسباب دخول الجنة .
وقد ثبت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ) هذا فيه تشبيه الرؤيا بالرؤيا ، وليس المعنى تشبيه المرئي بالمرئي ، لأن الله ليس كمثله شيء ، ولكنكم ترونه رؤية حقيقية مؤكدة كما يرى الإنسان القمر ليلة البدر ، وإلا فإن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يشابهه شيء من مخلوقاته .
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث : ( فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )(143) يعني بالتي قبل الطلوع الشمس : الفجر ، والتي قبل غروبها : العصر ، فهاتان الصلاتان هما أفضل الصلوات ، وأفضلها صلاة العصر ؛ لأنها هي الصلاة الوسطى التي قال الله تعالى : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238) . فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة الأحـزاب : ( ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغـلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )(144)، وهذا نص صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من صلى البردين ) المراد صلاهما على الوجه الذي أمر به ، ذلك بأن يأتي بهما في الوقت ، وإذا كان من أصحاب الجماعة كالرجال فليأت بهما مع الجماعة ، لأن الجماعة واجبة ، ولا يحل لرجل أن يدع صلاة الجماعة في المسجد وهو قادر عليها .
أما حديثه الثاني : فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) يعني أن الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملاً صالحاً ، ثم مرض فلم يقدر عليه ، فإنه يكتب له الأجر كاملاً . والحمد لله على نعمه .
إذا كنت مثلاً من عادتك أن تصلي مع الجماعة ، ثم مرضت ولم تستطيع أن تصلي مع الجماعة ، فكأنك مصل مع الجماعة ، يكتب لك سبع وعشرون درجة ، ولو سافرت وكان من عادتك وأنت مقيم في البلد أن تصلي نوافل ، وأن تقرأ قرآناً ، وأن تسبح وتهلل وتكبر ، ولكنك لما سافرت انشغلت بالسفر عن هذا ، فإنه يكتب لك ما كنت تعمله في البلد مقيماً ، مثلاً لو سافرت وصليت وحدك في البر ليس معك أحد ، فإنه يكتب لك صلاة الجماعة كاملاً إذا كنت في حال الإقامة تصلي مع الجماعة .
وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي للعاقل ما دام في حال الصحة والفراغ ، أن يحرص على الأعمال الصالحة ، حتى إذا عجز عنها لمرض أو شغل كتبت له كاملة . اغتنم الصحة ، اغتنم الفراغ ، اعمل صالحاً ، حتى إذا شغلت عنه بمرض أو غيره كتب لك كاملاً ، ولله الحمد . ولهذا قال ابن عمر : ( خذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )(145)، هكذا جاء في حديث ابن عمر ، أما من قوله ، وإما من قول النبي عليه الصلاة والسلام، أن الإنسان ينبغي له في حال الصحة أن يغتنم الفرصة ، حتى إذا مرض كتب له عمله في الصحة ، وأن يحرص ـ ما دام مقيماً ـ على كثرة الأعمال الصالحة ، حتى إذا سافر كتب له ما كان يعمل في الإقامة . نسأل الله أن يخلص لنا ولكم النية ، ويصلح لنا لكم العمل .



(141) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة الفجر رقم (574) ، ومسلم، كتاب المساجد باب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم (635) .
(142) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد ، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة رقم (2996) .
(143) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر ، رقم (554) .
(144) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد , باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ، رقم (2931)، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر ، رقم (627) .
(145) أخرجه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : كن في الدنيا كأنك سبيل عابر رقم ( 6416) .